مدار الساعة - سرديات تمثل شهادات على العصر، وملحمة الأرض والإنسان، تلك هي لوحات الفنان الراحل صالح المالحي التي عرضت في مركز جلعد للثقافة والفنون، وتشتمل على اربع وستين لوحة ترصد واقع الحال العربي، والحياة اليومية الفلسطينية، ورحلة الكفاح والصمود الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.
أعمال المالحي المولود عام 1943، تمثل وثيقة بصرية لموقف الفنان بإزاء الكثير من المراحل السياسية التي يعبر عنها الفنان بعدد من الأساليب، ومنها: السريالية والكاريكاتيرية والواقعية والتكعيبية والواقعية التعبيرية، فهو لا ينحاز لأسلوب دون الآخر، بل يوائم بين الموضوع والشكل والمعالجة التي تشبع الدلالة والمعنى.
لجأ الفنان للرمزية التي تغني مفردات اللوحة، دون أن تكون الرمزية أسلوباً، فهو يستعيد العلامات الرمزية للحكاية التي يريد أن يقولها دون مواربة.
المعرض الذي افتتحه مندوباً عن وزيرة الثقافة، مدير الهيئات الثقافية د. غسان طنش، تتراوح أعماله بين الحجم المتوسط والكبير(الجداري)، مستخدماً الألوان الزيتية على الخشب، والكانفس(القماش) والحرق على الخشب، وفي غالبتها تميل للون الداكن الذي يسيطر عليه الفنان من خلال توظيفه للظل والنور.
وقال د. طنش إن الأعمال تمثل ثروة فنية جمالية، وتزداد أهمتها في كونها تعود لإحد الفنانين الرواد الذين ، لافتاً إلى أهمية الجهد الذي يقوم به مركز جلعد في حقل الفنون الذي يمثل ثروة جمالية.
وتمثل الأعمال المعروضة والتي تتواصل في متحف هندية ببلدة أم الدنانير، نصف ما انتج الفنان الذي رحل في الكويت عام 2013، ويقول مؤسس مركز جلعد المهندس سامي هندية: إن الأعمال تمثل جزءاً من تراث الفنان الذي وصفه بأحد رواد الفن الفلسطيني، فهناك مثلها عدداً لم يتم عرضها، وبعضها يحتاج للترميم.
وقال إن المعرض يأتي للاحتفاء بتجربة الرواد من الفنانين الفلسطينيين، والمالحي صاحب موقف، وتجربة مهمة على الصعيد العربي والعالمي، وقد رصد من خلال أعماله مراحل كثيرة من اللجوء والمقاومة والصمود، وهو إنسان عروبي سجل الكثير من ملامح الكفاحية العربية، ومنها ما سطره الجيش الأردني في معارك القدس.
وأشار هندية إلى أن المركز أصدر دليلاً يضم نبذة عن الفنان ومسيرته وتجربه التشكيلية ، ومجموعة من الصور لأعماله.
وبالنسبة للفنان فإن كل لوحة عنده لها حكاية، أو تمثل سردية تؤرخ لواقع الإنسان الفلسطيني بين الهجرة واللجوء والمنفى والمقاومة، وبين الحياة التي ينبغى للإنسان أن يعيشها بسلام.
"..وأَنا الغريب بكُلِّ ما أُوتيتُ من لُغَتي.
ولو أخضعتُ عاطفتي بحرف
الضاد، تخضعني بحرف الياء عاطفتي،
وللكلمات وَهيَ بعيدةٌ أَرضٌ تُجاوِرُ
كوكباً أَعلى.
وللكلمات وَهيَ قريبةٌ منفى ."
وفي جدارية القرية التي تتكون من ثلاثة مشاهد يلخص الفنان الحال الفلسطيني بين الماضي والحاضر والمستقبل، حيث الفرح والعمل يشكلان جزءاً من النضال للحرية.
تحمل لوحاته، عناوين: عرس الأرض، جهاز العروس، صبرا وشاتيلا، أنغام من حزن الأيام، ناجي العلي، روضة..
عالج الموضوع بأسلوب واقعي تكعيبي لتناغم الموضوع مع الشكل الذي يغدو فيه المكان جزءاً من الإنسان، ويماهى الإنسان مع المكان، وتظهر القرية بورودها وحياتها اليومية، وهو يقرن العمل بالقضية الوطنية، والحياة كلها في المكان تمتزج بالمناخ الوطني حيث تظهر رمزية شقائق النعمان التي تشير للشهداء الذين ضحوا بدمهم من أجل الوطن.
وقال الفنان ياسر الدويك: إن أعمال الفنان المالحي تمثل ملحمة التاريخ الفلسطيني المعاصر، وهو فنان يعرف ما يقوم به في العمل الفني لجهة التقنية والأسلوب الذي طبع تجربته.
كتب الفنان المالحي في "الوطن الكويتية" ، "إن الارض هي الإنتماء". وكتب احمد العليان، أن المالحي فنان حمل ريشته أكثر من عشرين عاما،معبرا عن أحزان شعبه و فرحه، لاستعادة صورة قريته المالحة التي ترمز للوطن الكبير و الحب الكبير والفن الملتزم.
كما كتب الفنان عدنان يحيى أن أعمال المالحي تنطوي على بحث دائم في المسارات الصعبة، والشاقة لاختراق جدار الحقائق لإظهار الدور الجاد والمتقدم للفنان الملتزم بقضية شعبه.
يشار إلى أن الفنان من مواليد/ القدس 1943، درس في القاهرة، وأقام أول معرض له نهاية الستينيات من القرن الماضي، وشارك في عدد من المعارض العربية والدولية، حصل على الميدالية الذهبية خلال مشاركته في معرض ميلانو/ إيطاليا. توفي في الكويت عام 2013ودفن .
أما مركز جلعد، فهو يتكون من عدد من المرافق من مسارح وصالات عرض، ومتحف بأربعة طوابق يضم أكثر من ألفي عمل لفنانين أردنيين وعرب وعالميين.