جواد العناني
لا نستطيع أن نلوم حكومة الدكتور عمر الرزاز وحدها في المأساة التي حصلت قرب البحر الميت الأسبوع الماضي، وأودت بحياة واحد وعشرين طفلاً ورجلاً من أبناء الوطن. فالخطأ يمتد أفقياً وعمودياً وعبر الزمن. ولكن الذي ألوم مجلس الوزراء عليه هو عدم حسن إدارة الأزمة، وردة فعلها المشوشة والمتضاربة، والتي لا تعكس نقصاً في الهمة، ولا ضعفاً في التعاطف مع الأسر المنكوبة، ولكنها تقدم دليلاً ساطعاً على أنها بتركيبتها الراهنة عاجزة عن إدارة الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسلوكية التي يجب أن تتصدى لها بقوة وبسرعة.
لا شك أن الدكتور الرزاز ومعظم أعضاء فريقه أناس رائعون محترمون، وكان بالإمكان لو أنهم تدرجوا في السلم الوظيفي حتى النضوج ليتسنى لهم أن يقدموا أداء أفضل، ويستجيبوا مع الأزمات المتتالية التي واجهتهم بشكل أسرع وأوعى وأشمل.
والشعب الأردني يتساءل متى يمكن أن يكون أصحاب الولاية العامة، وأصحاب المناصب الرفيعة في مختلف مؤسسات الدولة الأردنية على مستوى التحديات التي يواجهها الوطن داخلياً وإقليمياً ودولياً؟.
لما تكون الشمس ساطعة، والدنيا قمرة وربيع، والشوارع معبدة، والسير خفيف. فإن أي واحد يحمل رخصة سواقة يستطيع قيادة المركبة. أما عندما تكفَهِر السماء، ويحجب الضباب الرؤية، وتكتظ الطرق بالسيارات، وتظلم الدنيا بغياب الشمس، فإننا بحاجة إلى سواقين مهرة. وفي هذا الجو المتلبد، والمناخ المعربد، لا يستطيع سواقو الأيام المشمسة أن يقودوا المركبات بسلامة إلى المكان المقصود والهدف المنشود.
نحن في الأردن قد اختلفنا، وافترقنا كثيراً عما كنا عليه قبل عشر سنوات. نحن الآن أكثر من عشرة ملايين نسمة ونكاد نقارب (11) مليوناً. ونحن نتحدر من جنسيات ومناطق كثيرة، ولكننا نتشكل من مكونات ثلاثة : أردنيين من شرق الأردن، وأردنيين من أصول فلسطينية، وأردنيين من أصول سورية شامية عراقية عربية ومعها أناس مسلمون ومسيحيون سكنوا بلادنا من دول إسلامية وغير إسلامية وصاروا جزءا من نسيجنا الوطني.
لم نعد دولة بسيطة، بل صارت مؤسساتنا كثيرة متعددة الجوانب، والوظائف، ومتداخلة الاختصاصات، وما عادت قوانيننا وتشريعاتنا سهلة، وما عاد التوصل إلى إجماع على القرارات بالأمر اليسير، بل صار صنع القرار عملية مركبة معقدة.
والتحديات التي تنتظرنا في المستقبل من تطورات القضية الفلسطينية، وبناء الدولة في ظل ظروف دولية وإقليمية متناقضة ومتصارعة، وتحسين مستوى أداء الإدارة الحكومية، والتوفيق بين العام والخاص، وإعادة بناء نظمنا التعليمية والتربوية والثقافية والاجتماعية والسلوكية والاقتصادية، كل هذه التحديات ما عادت تحتمل أن تنجز وتدار من سواقي الأيام المشمسة.
إننا بحاجة إلى رجال الشمس الأقوياء، الذين يقفون إلى جانب قائدهم، يعطيهم فكراً ويعطونه قوة على قوته، ومضاء على عزيمته، ويصارحونه الرأي ويقبلون بالرأي الآخر، ويضعون مصلحة الوطن كله بجميع مكوناته نصب أعينهم، لا يعيبهم ترف الضعف حيال المال والشرف والخلق، ولا يفت في عزائمهم عواء الذئاب ونباح الكلاب، ولا يخشون في حق وطنهم وعروبتهم لومة لائم.
لقد غضب جلالة الملك عبدالله الثاني، وغضب معه الشعب الأردني كله على أرواح بريئة زهقت. لم يبق أمامنا ترف التجربة أو المخاطرة بقليلي التجربة. آن الأوان أن يتسلم الولاية العامة خلف القائد الأعلى أناس وقوم مثله ينطبق عليهم القول "إن لله أقواماً إذا أرادوا أراد".
نريد من حكومة دولة الرزاز أن تثبت أنها جديرة بثقة القائد والشعب، وأنها تعلمت كيف تنظم صفوفها بشكل أفضل، وتنسق أقوالها وردود أفعالها بأسلوب يمنحها ثقة على ثقة، ويدفعها لأن تتصدى للمشاكل الطارئة بالمستوى الخلقي والعلمي والإداري الذي يتحلى به الفريق الوزاري. الغد