أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات برلمانيات وفيات جامعات أحزاب وظائف للأردنيين رياضة مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

المحاسبة والعدالة

مدار الساعة,مقالات مختارة,مجلس النواب,وزارة السياحة,وزارة التربية,وزارة الأشغال,الدفاع المدني,الأرصاد الجوية,سيادة القانون,البحر الميت
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مهما قلنا لا يكفي الكلام للتعبير عن ألمنا وحزننا باستشهاد 21 إنساناً جلهم من الأطفال الأبرياء جرفتهم السيول في كارثة البحر الميت.

نعم يكون الكلام عاجزاً أمام غصة أهالي الشهداء ووجعهم، فهؤلاء خطفهم الموت بلمح البصر، وشعرنا جميعاً بالعجز أمام هول المأساة، وأتعبنا ما يحل بالأردن، وزاد مصابنا ونحن نرقب حالة التلاوم وتقاذف الاتهامات بعد هذه الفاجعة.

لن نطالب أحدا بالاستقالة الآن، ولكننا لن نقبل أبداً بـ"لفلفة" الكارثة، وتحميل "كبش فداء" المسؤولية عما حدث، أو إلقاء اللوم على إدارة المدرسة وحدها، والتوقف عند إشكالية صغيرة تنحصر بأن الرحلة المدرسية كان مصرحا لها بالذهاب إلى "الأزرق" وليس إلى البحر الميت، هذه سذاجة لا تقنع أحداً، وبضاعة لن يقبل الشعب أن يشتريها.

قبل أن نطرح الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة وهي في عمق أزمة ترهل العمل الحكومي، وتآكل البنية التحتية لمرافقنا العامة، فإن ما يستحق التوقف وأن نراه بعين الرضا والفخر هو روح العطاء التي قدمها رجال الدفاع المدني، ورجال الأمن والجيش، وكل الناس الذين هرعوا لإنقاذ الأطفال من دون أن يفكروا للحظة بالخطر الذي يهدد أرواحهم.

لرجل من الدفاع المدني الذي قطع إجازته وهرع إلى مكان الكارثة لينقذ الأطفال تنحني الهامات، هذا وغيره من النشامى نماذج ترفع جبين الوطن، وتغسل عنه عار المرتجفين والمزاودين والكاذبين.

لن نصدر الأحكام ولن نطلق الاتهامات رغم عظم المصيبة التي حلت بالبلد، وسننتظر نتائج لجنة التحقيق التي شكلها رئيس الحكومة عمر الرزاز برئاسة نائبه رجائي المعشر، ونتمنى أن لا تقف عند القضايا الشكلية والإجرائية فقط، ونترقب باهتمام وصبر نتائج لجنة التحقيق التي شكلها رئيس النيابات العامة وتضم أربعة مدعين عامين لهم صلاحيات التحقيق حتى مع الحكومة والوزراء، وكل الذين يحتمل تورطهم أو تقصيرهم في التعامل مع هذه الكارثة الإنسانية، لعل يد العدالة تصل لهم فتخفف من مصاب أهالي الشهداء المغدورين، وتعيد بارقة أمل بأن العدالة تسمو، وسيادة القانون فوق الجميع.

وننتظر أيضاً أن يشكل مجلس النواب من خلال لجنة التربية والتعليم لجنة تحقيق أو استماع لاستجلاء الحقيقة، فتقدم تقريراً يشكل إدانة سياسية لمن يتحمل المسؤولية حتى لا يضيع "الصغار" بين أقدام الكبار.

الاتهامات الأولية ربما تطال الكثيرين، والأسئلة التي تقلق وتوجع كثيرة وعلينا أن نرفع الصوت بطرحها، فهل يعقل أن دولة في القرن الـ21 لا يوجد بها نظام إنذار وطني مبكر يحذر من الكوارث؟!

هل يعقل أن هذه السيول الجارفة التي انحدرت من الجبال بقوة خرافية، وأحدثت كل هذه التصدعات والانزلاقات لم يتنبأ بها أحد ليحذر الناس سياحاً وطلبة أن يبتعدوا عن مناطق الخطر؟!

إذا كنا نعرف أن حالة الطقس سيئة، وهناك احتمال لسيول في الوديان، لماذا لم يتم منع باصات المدارس والسياح من هذه المناطق، وأين التنسيق بين المؤسسات العامة، دائرة الأرصاد الجوية، وزارة السياحة، وزارة التربية، بل والأهم أين هو دور مركز الأزمات الوطني؟

وزارة التربية مقصرة حين لم تمنع الرحلات المدرسية، وليس مقبولاً من وزير التربية أن يتذرع بأنهم لم يكونوا على علم بحالة الطقس، والأهم متى ستنتهي تجارة التعليم في المدارس الخاصة، متى سيتوقف الاستغلال والسعي للربح حتى بالرحلات المدرسية تحت غطاء التعليم؟!

قصة مخالفة المدرسة لمكان توجه الرحلة، ليس جوهر القضية رغم أهميته، والتناقض بين رواية وزارة التربية والمدرسة ستكشف التحقيقات من هو الصادق في وثائقه وأوراقه، لكن ما كشفته الكارثة هو انعدام آليات الرقابة، والتحرك العاجل لمنع الضرر قبل وقوعه؟!

انهيار الجسر كارثة أخرى تستدعي فتح تحقيق آخر في ضوء معرفة وزارة الأشغال، ووزير الأشغال الأسبق بالمشكلة إبان حكومة هاني الملقي، وعدم اتخاذ إجراءات سريعة لمعالجة خطر داهم كان يمكن أن يتسبب بوقوع مصيبة أخرى.

لن نتحدث عن شبهات فساد في المشاريع والعطاءات والإنشاءات، غير أن هذا الأمر يتطلب لجنة تقصي حقائق مستقلة تقدم تقريراً شاملاً بواقع منشآتنا جسوراً ومباني حتى لا تقع "الفاس بالراس".

الملك محق بغضبه، فأرواح الأطفال أغلى ما يملكه هذا الوطن، والحزن والبكاء لا يكفيان إذا لم تتحقق العدالة، ويحاسب كل من يثبت مسؤوليته عن هذه الكارثة، وحمى الله الأردن.

الغد

مدار الساعة ـ