كنت واحداً من المجموعة الضيقة, في رحاب حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين عندما أعلن جلالته بإصرار ممزوج بالكبرياء والشموخ, قراره التاريخي بإنهاء الملحقين, اللذين سمحا لإسرائيل باستخدام أراضي الغُمر والباقورة, فقد كان الإصرار والعزيمة واضحين في نبرة جلالته, وهو يقول لشعبه من خلال المجموعة التي كانت تنال شرف الجلوس في حضرته "إن الباقورة والغُمر أرض أردنية وستبقى أردنية, نحن نمارس سيادتنا بالكامل على أراضينا".
لا يحتاج المرء إلى طويل تأمل, ليقول أن هذا القرار التاريخي لم يكن ابن ساعته, ولم يجيء تحت ضغط أحد, فالقادة الحقيقيون من أمثال عبدالله الثاني بن الحسين لا يتخذون قرارات انفعالية, ولا يستجيبون لضغط أي جهة, بما في ذلك الشوارع والساحات, ولا ينقادون للرغبات أين كان أصحابها, خاصة في القضايا المصيرية, حيث يجب أن يُحكم العقل لا الانفعال, ويقود أولي الأمر دون الانسياق وراء عواطف العامة, لكن هؤلاء القادة يتخذون قراراتهم بعد فحص وتمحيص, وتقليب الأمر على كل وجوهه واحتمالاته, وهو ما فهمته من قول جلالته " إن قضية الباقورة والغُمر كانت على رأس أولوياتنا الوطنية" أي أنها محل تفكير جلالته منذ زمن وأن جلالته اختار الوقت المناسب ليعلنه بعد طول دراسة وتمحيص.
قرار جلالة الملك الخاص بالباقورة والغُمر, ومثله موقف جلالته من قضية القدس ورفضه المطلق لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب, نقل سفارة بلاده إلى القدس, وقبلهما موقف جلالته من ماعرف بصفقة القرن, كل ذلك يستدعي من المتعاطين بالشأن العام من الأردنيين, ومثلهم الدارسين للعلوم السياسية التوقف عند أسلوب جلالته بالعمل, فكل هذه القضايا الكبرى قرار الباقورة والغُمر والموقف من القدس وكذلك موقف جلالته من صفقة القرن تُبين أن جلالته يعالج القضايا الكبرى بصمت, وبعيداً من الكاميرات والصَخب الإعلامي, ثم يفاجأ الجميع بالقرار والموقف, ليقطع الطريق ويفوت الفرصة على الطرف الآخر, فقد لاحظنا كيف استطاع جلالته بموقفه الصلب من قضية القدس حشد المجتمع الدولي في مواجهة قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس, كما لاحظنا حجم الإرتباك الذي أصاب العدو الإسرائيلي بعد قرار جلالته بإنهاء الملحقين, فإذا أضفنا إلى ذلك حكمة وحنكة جلالته وصبره وهدؤه في التعامل مع ماعُرف بصفقة القرن, التي صار أصحابها يسعون إلى التخلص منها حيث كانلصلابة موقف جلالته دوراً حاسماً في هذا السعي للخلاص من هذه الصفقة.
كل ما سبق يؤكد سلسلة من الحقائق أولها أن جلالة الملك يعمل بصمت, ولكن بدأب, من أجل حماية الأردن والأردنيين ومصالحهما, وثانيها أن جلالته ملم بتفاصيل كل القضايا الوطنية, متابع لنبض شعبه وتطلعاته, وثالثها أن مواقف الكثيرين منا تأتي في الغالب مجرد صدى لمواقف وإجراءات وقرارات جلالته,وأخيراً لابد من القول بأن الدول لا تدار من الشوارع, وأن سياساتها لا ترسم من على الأرصفة, وأن قرارتها لا تتخذ في المقاهي, فذلك كله من شأن القادة الملتزمون بقضايا شعوبهم. الرأي
Bilal.tall@yahoo.com