ميسون تليلان *
إن الاردن دولة محورها الانسان، الانسان الاردني الذي كان و ما زال نواة البناء و التنمية في الدولة الاردنية ، قدم الكثير و اخذ على عاتقه كافة التحديات و الصعوبات التي جعلت من اليأس و الاحباط صفة ملازمة لمسيرة البناء و التنمية ، ليس لضعف الانجاز وانما لازمة ثقة قوامها التشكيك ، اختلفت فيه معالم الثقة عبر عقود من الزمن و خلال تراكمات الاجهاد في تحمل الظروف الصعبة التي يعيشها البلد ، حيث اقتصرت على الجانب المظلم لمخرجات الاجهاد المتراكم الذي يعيشه المواطن الاردني و انعكست باشكال التشكيك و انعدام الثقة، فهذا جانب من الواقع لا نستطيع انكاره ولّد الياس و الاحباط، وبنفس الوقت لا بد من وجود جانب اخر اكثر ايجابية يعكس ايضا تلك المخرجات لحالة الاجهاد في مسيرة البناء والتنمية، وهذا ما تفرضه و تثبته اهم نواميس الكون التي تفضي الى ان الياس و الاحباط لا يولد الا الانسحاب ويعزز من ازمة الثقة بين الحكومة و المواطن ، في حين ان النظرة الايجابية تولد الاصرار وتوجد الكثير من الفرص للخروج من الازمة و تبعث الطاقة اللازمة لمواجهة التحديات و الصمود امام كافة اشكال صعوبات الحياة ،و التي تتلخص في ان المواقف والتجارب و القرارات التي نعيشها لها وجهان.
" من خلال متابعتي اليومية لقضايا الوطن والـمواطن، وجدت حالة من عدم الرضا عن آليات التعامل مع بعض تحديات الحاضر. فالأردن مثل غيره من الدول شابت مسيرة البناء والتنمية فيه بعض الأخطاء والتحديات، التي لا بد أن نـتـعلم منها لضمان عدم تكرارها ومعالجتها لنمضي بمسيرتنا إلى الأمام. وعدم الرضا هذا، هو مع الأسف ناتج عن ضعف الثقة بين الـمواطن والـمؤسسات الحكومية، والـمناخ العام المشحون بالتشكيك الذي يقود إلى حالة من الإحباط والانسحاب.
وهنا، لا بد من التذكير بأن الأوطان لا تبنى بالتشكيك وجلد الذات، ولا بالنيل من الإنجازات أو إنكارها، بل بالمعرفة والإرادة والعمل الجاد. وهنا أيضا، أتوجه من خلالكم إلى كل الأردنيين فأقول لهم: أنصفوا الأردن، وتذكروا إنجازاته حتى يتحول عدم رضاكم عن صعوبات الواقع الراهن إلى طاقة تدفعكم إلى الأمام، فالوطن بحاجة إلى سواعدكم وطاقاتكم لتنهضوا به إلى العلا".
هكذا بدأ جلالة الملك عبد الله الثاني خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة الثامن عشر ، معززا ضرورة حاجة الحكومات التي تتبنى برامج الاصلاح و مكافحة الفساد و مسيرات البناء و التنمية الى ثقة مصدرها الانسان الاردني قوامها طاقة تدفع كافة الجهود الى الامام للنهوض بالوطن و الاستقواء على كافة اشكال الصعوبات و التحديات التي يواجهها الاردن ، و مركزا على رؤية الاردن الطموحة التي تتمثل في ان الاردن هو دولة القانون، ودولة الإنتاج، وهو دولة محورها الإنسان، و دولة ذات رسالة سامية ، و لافتاً النظر لعدم قدرة النموذج التقليدي على مواجهة التحديات الاقتصادية وتلبية الـحاجات الـمتزايدة للمواطنين ، و ان على الحكومة العمل وفق خططها، لترجمة نهج اقتصادي واقعي يحفز النمو، ويعزز الاستقرار الـمالي والنقدي، ويعالج تفاقم الـمديونية، ويستقطب الاستثمارات لتوفير فرص العمل للأردنيين، و تعزيز دولة الإنتاج التي نريدها لامتلاك العناصر التي تكرس استقلالها الاقتصادي.
فقد قالها جلالة الملك بصريح العبارة في ان الأردنيون والأردنيات يستحقون الكثير، خاصة فيما يتعلق بالخدمات الـمقدمة لهم في مجالات الصحة والتعليم والنقل. لذلك، فإن على الحكومة العمل على تطوير نوعية هذه الخدمات، ويجب على كل من يعمل في الـمؤسسات العامة أن يفتخر بأن عمله هو خدمة الإنسان الأردني.
ندرك في ظل هذه الظروف الراهنة ان اهم مشكلة تواجه حكومة الرزاز هي ازمة ثقة من نوع قاس بنظام ثنائي مفاده اما الحل السحري او الدخول في فوضى الاعتصامات و الظاهرات التي تضع العصا في دواليب عجلة الاصلاح و تعطيل الحاجة للانتقال لنهج جديد تدار به البلاد.
وبوجهة نظر حيادية بعيده عن التعاطف و التحيز لاي طرف ، فأني مقتنع جدا بتفعيل حالات علم النفس الايجابي (Positive Psychology) الذي يهتم بالوقوف على خصائص السلوك السوي، ومقوماته وقوانينه الأساسية ، فعلم النفس الايجابي يهتم بالدراسة العلمية لما يحقق السعادة للناس، ويسعى إلى تعزيز قدرات الشخصية المتعددة، كالصمود والصلابة النفسية والتفكير الإيجابي وغيرها، وإلى تدريب الأفراد على مواجهة الضغوط النفسية التي يتعرضون لها، والتخلص من الاحتراق النفسي، وإلى تحسين الرضا عن الحياة وجودتها، وإلى دراسة الظروف والعمليات التي تسهم في الوصول إلى أعلى أداء وظيفي للناس والجماعات والمؤسسات. إضافة الى اهتمامه بالمجتمع، فعلم النفس الايجابي يسعى إلى تنمية الفضائل وتفعيل دور المؤسسات المدنية، التي تعمل على تحسين الواقع وتنمية الشعور بالمسؤولية، لدى الأفراد، والإيثار والتسامح، والعمل الخلاق.
فإذا كان علم النفس التقليدي يركز على السلبيات؛ فإن علم النفس الإيجابي يعالج الضعف، ويغذي مواضع القوة لدى الفرد، ويعمل على بناء السِّمات الإيجابية التي تساعد الأفراد والمجتمعات ليس على التحمل والبقاء فقط بل وتساعدهم أيضاً على الازدهار. كما أن استخدام إستراتيجيات علم النفس الإيجابي، تؤدي إلى نقل الشخص بعيداً عن التركيز ضيق الأفق على معايشة المواقف السلبية والأمراض النفسية إلى منهج جديد هو تنمية السمات الإيجابية والفضيلة والقوى الإيجابية على مدى الحياة، والاستفادة منها في الصحة والعلاقات والعمل.
فقد دعا جلالة الملك الى تعظيم المهارة التي يمتلكها جميع الأفراد، وهي مهارة الكفاح من أجل الهدف والتي تؤدي إلى تنمية السِّمات البشرية الإيجابية، واستخدامها في مكانها الصحيح ، و هذا جوهر علم النفس الايجابي، و الذي اعتبر اول مطبقيه هو جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم ، فلنكن على خطاه ، و لنعطي الحكومة فرصة نوعية ذات سمة ايجابية بعيده كل البعد عن التقليدية القديمة ، لنصل بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني و مساندة الشرفاء في هذا البلد للخروج من ازمة الثقة ، لنكن قادرين على مواجهة كافة اشكال الضغوط ، متسلحين بتعليمات المعلم الاول جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ورعاه.
* رئيسة التحاد النسائي العام