د. عبدالرحمن امين البلبيسي *
يأتي قانون ضريبة الدخل الجديد في زمن التردي الاقتصادي في الاردن و يخشى ان يكون له آثار تتعدى قضية تغطية العجز في موازنة الحكومة الى تغيير هيكلي في حجم قطاع الاستثمار من قبل الشركات وكذلك الافراد بعزوفهم عن الاستثمار في الاردن و خروج بعض الشركات و المستثمرين منه و هجرة رؤوس الاموال الوطنية مع اصحابها و مع ما يرافق ذلك من تسريح للقوى العاملة و التي سوف تتحول الى قوى عاطلة عن العمل وتعاني من الفقر، هذا كله في الوقت الذي يعاني فيه الاردن من تراجع في النمو الاقتصادي البالغ عام 2017 حوالي 1.9% مقابل 2.3% في عام 2016 ...(1)*، اي ان النمو الاقتصادي في الاردن اقل من نمو عدد السكان البالغ معدله في عام 2016 (من دون اللاجئين) حسب تقديرات البنك الدولي حوالي 3.2%... (2)*, و ذلك يعني تآكل دخل الفرد مع مرور السنين و انخفاض المستوى المعيشي للاردنيين بشكل متوالي الا اذا استطاعت الحكومة الاردنية عمل برنامج انقاذ تشجع فيه قطاع الاستثمار الوطني و الدولي من الدخول في مشاريع جديدة تساهم في تسريع النمو الاقتصادي و تزيد من عملية تشغيل القوى العاملة و تخفض البطالة وتزيد الطلب الكلي على السلع و الخدمات .
اذا ما قمنا باجراء مقارنة سريعة لاهم التغيرات بين مشروع قانون ضريبة الدخل المقدم من قبل حكومة الرزاز و قانون ضريبة الدخل الساري المفعول حاليا لعام 2014 يتبين لنا ما يلي :
1- لم يتطرق قانون ضريبة الدخل الجديد المقترح الى رفع نسبة الضريبة على الطبقة الغنية ذات الدخول المرتفعة جدا و بشكل تدريجي فهي في القانون الحالي 20% و اصبحت في القانون المقترح 25% لكل من دخله فوق 20 الف دينار, أما من دخله اكثر من مليون دينار فيدفع 30%.
2- التغيير الاهم في القانون ركز على استهداف الافراد و الاسر من خلال تخفيض الاعفاء الممنوح لهم و رفع النسب الضريبية عليهم كما يلي :
ان الاعفاء للاسر اصبح 18000 دينار و كان 24000 دينار و للافراد اصبح 9000 و كان 12000 للافراد.
ان الشرائح الضريبية الخمسة في مشروع القانون هي : 5% للخمسة الاف دينار الاولى ثم 10% للخمسة الاف دينار الثانية ثم 15% للخمسة الاف دينار الثالثة , ثم 20% للخمسة الاف دينار الرابعة ثم 25% عن كل دينار تلاها، في حين ان النسب في القانون الحالي هي 7% لاول 10000 دينار و 14% لثاني 10000 دينار و 20% لما زاد عنها.
3- لم يميز القانون بين حجم العائلة المكون من فردين و المكون من عدد كبير من الافراد فللعائلة مبلغ ثابت من الاعفاء بغض النظر عن عدد افراد العائلة , كما لم يميز بين العائلات التي لديها نفقات علاجية تستنزف دخولها , و الغى القانون الجديد الماده 9-أ-2 و التي تتضمن اعفاءات مقابل نفقات العلاج و التعليم و الايجار و فوائد قروض الاسكان و بحد اقصى مقداره 4000 د.
4- ارتفاع النسب الضريبية لدى شركات الاتصالات من 24% الى 26% و لدى شركات الوساطة المالية من 24% الى 30%
5- بقاء النسبة الضريبية المقترحة على البنوك ثابته عند 35% كما في القانون الساري حاليا.
6- تم فرض ضريبة على القطاع الزراعي مع اعفاء اول 25000 دينار من الدخل من الضريبة.
7- اعطى القانون تخفيضات تقل تدريجيا لمدة خمس سنوات للقطاع الصناعي تشجيعا له تتراوح بين 50% و 5% من النسب المعلنة لقطاع الادوية و الالبسة و بين 25% و 5 % لبقية القطاعات الصناعية. علما ان نسبة الضريبة في القانون الحالي لقطاع الصناعة هي 14%.
8- بموجب الماده 12 من القانون الجديد تم اعتبار ضريبة العقارات و الابنية مصروفا مقبولا ضريبيا ينزل من المصاريف في حين كان ينزل من قيمة الضريبة المستحقة على المكلف بالكامل في القانون الساري المفعول , التعديل الجديد من شأنه ان يثقل كاهل المواطنين الذين يدفعون 15% من دخل ايجاراتهم كضريبة مسقفات و مجاري و معارف و الان اصبح مطلوب منهم حسب القانون الجديد ان يدفعوا مره اخرى ضريبة دخل عن نفس الدخل المتأتي من العقار و هذا ازدواج ضريبي و اجحاف بحق المواطنين الذين يعتاشون من وراء تاجير عقار و ليس لديهم مصادر دخل اخرى. فلو اخذنا مثال رقمي على اسرة لديها مصدر دخل واحد من عقار مقداره 100000 دينار سوف تقوم الاسرة بدفع 15000 د مسقفات و مجاري و معارف و تقوم بدفع 4600 د ضريبة دخل المجموع 19600 د حسب القانون الساري لكن حسب القانون الجديد سوف تدفع الاسرة 15000 د مسقفات ومجاري و17250 د ضريبة دخل المجموع 32250 د اي ان الزيادة في مجموع الضريبة لهذه الاسرة قد بلغ 64% و هذا ارتفاع خارج حدود المعقول و المنطق الاقتصادي , و هذه النسب فاقت النسب العالمية خصوصا و ان المواطن مفروض عليه ان يدفع ضريبة العقار حتى و ان كان فارغا , و عندما يكون العقار فارغا يعفى من نصف ضريبة المسقفات و يدفع كامل ضريبة المجاري و المعارف مما يخفض النسبة الى 10% من القيمة الايجارية , و لو تصورنا ان يبقى العقار فارغا 10 سنوات كما هي الاوضاع الحالية فان المواطن يدفع كامل القيمة الايجارية للدولة كضريبة على عقار فارغ دخله صفر و هذا امرغير عادل و يخلق كساد في القطاع العقاري و يسبب زيادة في المعروض و الكاسد منه.
9- تم فرض ضريبة على دخل المؤسسات المسجلة في المناطق التنموية يبدأ ب 7% عام 2019 و يرتفع تدريجيا الى 20% عام 2023.
10- ارتفاع النسب الضريبية لشركات التعدين من 24% الى 30% و بقاء النسبة ثابتة للشركات التجارية عند 20%
نستنتج مما سبق ان مشروع قانون الضريبة الذي تقدمت به حكومة الرزاز يركز على دخول الاسر و الافراد من خلال تخفيض مبالغ الاعفاء و رفع نسب الضريبة عليهم و لا ياخذ بالاعتبار عدد افراد الاسرة او المصاريف الصحية الباهظة و لم يفرض ضريبة تصاعدية على ذوي الدخول المرتفعة بالاضافة الى ثغرات اخرى تحمل العبئ الضريبي الاضافي في القانون على كاهل الطبقة الوسطى و الفقيرة و من الطبيعي ان يزيد ذلك في معاناة المواطن الاردني بمزيد من الانخفاض في دخله و تراجع مستواه المعيشي.
ان مشروع قانون ضريبة الدخل سوف يضر بقطاعات الاستثمار و النمو الاقتصادي بشكل عام حتى تلك التي لم ترتفع عليها نسبة الضريبة من خلال تخفيض دخول الاسر و الافراد و بالتالي قدرتهم الانفاقية و يخفض الطلب الكلي للاقتصاد و مبيعات و ارباح جميع القطاعات , الامر الذي سوف يعمق الازمة الاقتصادية و يقلل التشغيل و يؤدي الى ارتفاع نسبة البطالة و تلك آثار خطيرة لا نرجو ان تحصل لوطننا الحبيب و يتطلب من الحكومة اعادة النظر في هذا القانون بحيث يكون اكثر عدالة و اخف تأثيرا على تآكل دخل المواطن الاردني.
و التساؤل المطروح هنا هل نستطيع من دون رفع الضرائب ان نغطي العجز الحاصل في موازنة الحكومة و الذي اصبح سمة من سمات موازنات الحكومات الاردنية المتعاقبة منذ سنوات طويلة , و ارثا يصعب التخلص منه,الجواب هو نعم و ذلك من خلال عدة اليات خصوصا ان نسبة العجز في الموازنة تبلغ 5.6% فقط من اجمالي الانفاق الحكومي اي حوالي 500 مليون دينار حيث بلغ اجمالي الانفاق الحكومي المخطط في موازنة عام 2018 حوالي 9 مليار دينار و اجمالي الايرادات المتوقعة حوالي 8.5 مليار دينار ( 3 )*.
ان اول السبل لعمل موازنة من دون عجز هو قيام الحكومة بتقديم موازنة تتعادل فيها النفقات الحكومية مع الايرادات المتوقعة و باختزال التمويل بالعجز الذي لجأت اليه الحكومة الاردنية طيلة السنوات السابقة , حيث ان بامكان الحكومة اختزال ما نسبته 5% من موازنة الوزارات المؤسسات العامة المشمولة في الموازنة الحكومية دون ان يؤثر ذلك على أدائها و مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين من خلال عمل مراجعة حكومية لتقليل كلف البرامج المراد عملها بمقدار 5%و توجيه الموارد المالية نحو الاولويات الوطنية و تاجيل البرامج غير الملحة و ذلك ليس على المصر على مصلحة الوطن ببعيد و لا صعب , و يخلص الاردن من اللجوء الى الاستدانه و مد يد العون و طلب المساعدة من الخارج .
ثانيا : تبني استراتيجية الانفاق الحكومي المخطط بناءا على برامج واضحة لكل وزارة و مؤسسة عامة تبرر نفقاتها ببرامج ذات اهداف وطنية و لها مؤشرات اداء متفق عليها حتى تسهل عملية مراقبة الاداء للوزارات و المؤسسات العامة و المسؤلين فيها , هذه المحاسبة و المراجعة ادت بكثير من حكومات العالم الى تحقيق مستويات عالية جدا من اهداف الموازنة و الرفاه للمواطنين و حاصرت الفساد المالي بشكل كبير و عززت الشفافية في الانفاق الحكومي امام الشعب و مجلس النواب , و هذا ما يسمى بموازنة البرامج و الاداء , و قد اقر تطبيقها من خلال قانون تنظيم الموازنة العامة في الاردن رقم 58 لسنة 2008 و بالرغم من ان جداول الموازنة تقدم على شكل برامج لدائرة الموازنة العامة الا ان روح هذه الاستراتيجية غير مطبق لانه لا يتم عملية مراقبة الانجاز و المحاسبة بنهاية السنة المالية على هدر المال العام و الانحرافات في النتائج عما هو مخطط له. (4 )*
ثالثا : من الضروري ان يكون لدينا لجنة متطوعين مكونة من كبار التجار و المستثمرين و الاقتصاديين الاردنيين الغيورين على مصلحة الوطن و المشهود لهم بالصدق و الامانة و ليس لهم صلة سابقة او حالية بالسلطتين التنفيذية او التشريعية تكون وظيفتها ارشادية للوطن اي للشعب و الدولة باعطاء كلفة حقيقة و عادلة للعطاءات الحكومية , بحيث تمر من خلال هذه اللجنة المشاريع الوطنية الكبرى و تسعر بسعر عادل ليتم قطع الطريق على الفاسدين من قبول العطاءات حكومية بكلف اعلى من كلفها العادلة حيث تتمركز في هذه الناحية امكانيات كبيرة للفساد و السرقة من المال العام للشعب لا يستطيع حتى ديوان المحاسبة او اي شخص الاعتراض عليه لان العطاء يكون مقدماً بالطرق القانونية و العلنية و موافق عليه من قبل الحكومة و منفذ العطاء لكن قيمة العطاء مبالغ بها بشكل كبير. هذه الاداة سوف توفر على الوطن الكثير و تساهم بشكل فعال في سد العجز في موازنة الحكومة . كما تقوم هذه اللجنة نفسها بوضع حلول لكيفية سداد المديونية الخارجية المتفاقمة او جدولتها و التي فشلت الحكومة في معالجتها منذ سنين طويلة. كما يناط بهذه اللجنة التقرير في قضية خصخصة اي مؤسسة عامة تريد الحكومة بيعها للقطاع الخاص الاردني او الاجنبي و مقترحات حول كيفية استثمار المتحصلات منها في مشاريع راسمالية مدرة للدخل و نشر تقرير في الصحف المحلية يبين ايجابيات و سلبيات ذلك القرار على الوطن مع رأي اللجنة الارشادي بخصخصة المشروع موضوع الدراسة او عدمه.
رابعا: محاربة الفساد المالي بشقيه الاختلاس و الهدر و احضار الفاسدين و محاكمتهم و وضع اليد على ممتلكاتهم و استعادة ما اغتصبوه من اموال الشعب الى الخزينة و اظهار الجدية في التعامل مع قضايا الفساد لتقليل حدوثها و لذلك اثر مباشر على سد العجز في موازنة الدولة بدلا من اللجوء الى جيوب المواطنين الكادحين.
و أخيرا مشروع قانون ضريبة الدخل سوف يعمق الازمة الاقتصادية و يؤثر سلبا على جميع القطاعات بتخفيض الطلب الكلي ,مما يتطلب اعادة النظر في القانون ليميز بين عدد افراد الاسرو ياخذ بالاعتبار المصاريف الصحية الباهظة , و ان لا يستهدف فقط الطبقات الفقيرة و الوسطى من الشعب بل ايضا الطبقات الغنية ذات الدخول المرتفعة و بشكل تدريجي اسوة بدول العالم. و اذا كان لا بد من وضع ضريبة دخل على قطاع الزراعة فلتكن على الدخول المرتفعة و على الاقطاعيات الزراعية و ليس على صغار المزارعين لذا يجب مضاعفة حجم الاعفاء لهذا القطاع , كما يجب انصاف المالكين بتجنيبهم دفع ضريبة الابنية و الدخل في ان واحد و عمل تقاص بين ضريبة الابنية و ضريبة الدخل كما هو في قانون عام 2014 الساري المفعول , و مطلوب ان تقوم الحكومة بانعاش الاقتصاد و تنشيطه و السبل لديها كثيرة قبل فرض القانون الضريبي الجديد لتقليل اثره السلبي على انخفاض الطلب الكلي .
* خبير مالي – محاضر سابق قسم التمويل الجامعة الاردنية
abelbeisi@yahoo.ca