هذه سلسلة من المقالات سوف يتحدث فيها الدكتور سعد علي البشير عن التحديات التي تواجه الحكومة الحالية، واضعاً يده على وصف التحدي، ومظاهره، وبعض الطرق الدالة على مجموعة من الحلول المنطقية التي ربما استفادت منها الحكومة في معالجتها لهذه التحديات.
بدأ سيد البلاد في خطابه السامي خلال افتتاح الدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة الثامن عشر، معنوناً المرحلة بالتوافق الوطني والعمل بروح الفريق الواحد، وضرورة تجاوز التحديات التي يمر بها الأردن، وهذا ليس إلا إشارة إلى مجلس الأمة والحكومة ليعملا معاً في سبيل إنقاذ الأردن من الأزمات التي يمر بها اليوم، فالأردن يمر بأزمة حقيقية رئيسية تتمثل بفقدان الشعب للثقة بحكومته الوطنية، إضافة للتشكيك بقدرة هذه الحكومة على متابعة دورها في التنمية الاقتصادية، ووضع الحلول للمشاكل التي يمر بها الأردن وعلى رأسها الفقر والبطالة، حيث يرى العديد من أفراد الشعب أن الحكومات السابقة والحكومة الحالية لم تتمكن من وضع خطط قابلة للتطبيق والقياس في: مكافحة الفساد لبناء دولة القانون، ودولة الإنتاج للقضاء على الفقر والبطالة، ودولة محورها المواطن في ظل قانون ضريبي يُحقق العدالة الاجتماعية للمواطن الأردني.
كما يرى البعض بأن الحكومة الحالية والحكومات السابقة قبلها ظلت محافظة على نهج واحد لم يتمكن من مواجهة التحديات التي تتعرض لها البلاد، فهي لم تستطع الخروج من عباءة البنك الدولي وديونه التي أرهقت الخزينة وأرهقت المواطن حيث لا زالت الحكومة تبحث عن الحل في جيب المواطن، ولم تستطع حتى الآن وضع خطة رشيدة للإنفاق، رغم محاولتها ذلك، وحتى أنها رغم عمرها التي بدأ يتجاوز المائة يوم، لم تستطيع معالجة اهتمام المواطن الأردني، فمشروع قانون الضريبة لا يزال يعتقد البعض بأنه لم يتم دراسته الدراسة الكافية، ولم يتم مواكبته مع مشروع قانون يُحقق العدالة الاجتماعية الحقيقية، ورغم ذلك تم إحالته إلى مجلس النواب.
أما مكافحة الفساد فيرى البعض أنه رغم الجهود المبذولة إلا أنها لا زالت غير كافية لاجتثاث الفساد من جذوره، رغم تأكيد جلالته على أن مؤسسات الدولة قادرة على اجتثاث الفساد من جذوره.
ورغم أن الحكومة الحالية تقول بأنها أنجزت خلال المائة يوم من عمرها (62.5%) من الوعود التي وعدت بتنفيذها أمام مجلس النواب خلال خطاب الثقة، إلا أنها لم تعالج بواقعية كما يرى البعض مشروع قانون الضريبة، ويرى البعض الآخر أن الحكومة لم تتمكن من وضع آلية للتعامل مع البنك الدولي، ولم تستطع أن تمشي خطوة واحدة في سبيل تأمين بدائل لتأمين عجز الموازنة العامة، فها هي تمشي بذات النهج القديم حيث لا زالت تسعى نحو مزيد من القروض، ولا ترى إلا جيب المواطن مخرجاً من أزمة المديونية، وهناك الكثير والكثير من الملفات التي لم تقترب منها حتى الآن.
أما الحل فقد أشار إليه جلالة الملك إشارة واضحة وصريحة: " التوافق الوطني والعمل بروح الفريق الواحد"، "...ونظراً لعدم قدرة النموذج التقليدي على مواجهة التحديات الاقتصادية وتلبية الـحاجات الـمتزايدة للمواطنين، فإن على الحكومة العمل وفق خططها، لترجمة نهج اقتصادي واقعي يحفز النمو، ويعزز الاستقرار الـمالي والنقدي، ويعالج تفاقم الـمديونية، ويستقطب الاستثمارات لتوفير فرص العمل للأردنيين". " إن دولة الإنتاج التي نريدها تسعى لامتلاك العناصر التي تكرس استقلالها الاقتصادي. فالأردن يمضي بإرادة وتصميم إلى ثقافة صناعة الفرص والاعتماد على الذات، وبهذه الروح نتمكن من إنجاز مشاريعنا الكبرى من طاقة، وبنية تحتية، وجذب للاستثمار، ودعم للزراعة، وأهم ما ننجزه في هذا الـميدان هو تحفيز روح التميز والإخلاص في العمل وإتقانه. وعليه، فإن على مؤسسات الدولة الـمختصة والعاملين فيها، أن يأخذوا بروح الـمبادرة والانفتاح، وأخذ الأفكار الخلاقة وتطبيقها، بهدف تسهيل الاستثمار الوطني والعربي والأجنبي، الذي ينقل الـمعرفة والخبرات ويطور البنى التحتية ويوفـر فرص العمل".
وفي سبيل تحقيق ما أشار إليه جلالة الملك في الفقرة السابقة أرى وبصفتي أحد مواطني المملكة الأردنية الهاشمية، وبصفتي عضو المكتب التنفيذي لحزب التيار الوطني، وبصفتي عضو مجلس إدارة الاتحاد الدولي للحقوقيين: أنه ليس هناك أدنى شك من ضرورة العودة إلى نص كتاب التكليف السامي حول تشكيل الوزارة والذي جاء فيه:"... أوجهكم، وأنتم تَنْبَرون لهذه المهمة الوطنية لإطلاق مشروع نهضة وطني شامل، قوامه تمكين الأردنيين من تحفيز طاقاتهم، ورسم أحلامهم والسعي لتحقيقها، وتلبية احتياجاتهم عبر خدمات نوعية، وجهاز حكومي رشيق وكفؤ، ومنظومة أمان اجتماعي تحمي الضعيف في ظل بيئة ضريبية عادلة"، ... وعلى الحكومة أن تطلق فورا حواراً بالتنسيق مع مجلس الأمة بمشاركة الأحزاب والنقابات ومختلف مؤسسات المجتمع المدني، لإنجاز مشروع قانون ضريبة الدخل الذي يعد تشريعا اقتصاديا واجتماعيا مفصليا، إذ إن بلورة مشروع قانون ضريبة الدخل هو خطوة ومدخل للعبور نحو نهج اقتصادي واجتماعي جديد، جوهره تحقيق النمو والعدالة..."، وليس هناك أدنى شك من ضرورة العودة إلى الورقة النقاشية الخامسة لجلالة الملك عبد الله الثاني، والتي جاء فيها:" ... غدت القيم الضرورية لعملية تحول ديمقراطي ناجحة نحو الحكومات البرلمانية معروفة لجميع الأردنيين، وهي القيم التي لا بد من تجذيرها في ثقافتنا ومجتمعنا، وتشمل: الاعتدال، والتسامح، والانفتاح، والتعددية، وإشراك جميع مكونات المجتمع، واحترام الآخرين والشعور بهم، واحترام سيادة القانون، وصون حقوق المواطن، وتأمين كل طيف يعبر عن رأي سياسي بفرصة عادلة للتنافس عبر صناديق الاقتراع"، والحكومة البرلمانية تأتي من خلال برلمان مؤلف من الأحزاب والنقابات المهنية، والمجتمع المدني، مما يعني ضرورة إجراء تعديلات على قانون الانتخابات الحالي بما يضمن تمثيل الأحزاب والنقابات المهنية، ومؤسسات المجتمع المدني في هذا البرلمان، وبالتالي إجراء انتخابات مبكرة، ومن ثم تحميل الحكومة المُشكِّلة مسؤولية الحاضر والمستقبل، هكذا يُبنى وطن للأجيال القادمة، جاذباً للاستثمار، محققاً للتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، خالياً من الديون.