جواد العناني
يذكرنا المؤرخ الإسرائيلي "آفي شلايم" بمقولة شهيرة لرئيس الوزراء البريطاني الأشهر "وينستون تشرشل"، والتي تنص على أنك إن أردت أن ترى أبعد ما يمكن في المستقبل، فعليك أن ترجع للخلف إلى أقصى حد ممكن".
والسؤال المطروح باستمرار في كل جلسات الأردنيين هو "إلى أين نحن ذاهبون؟" ومن الإجابات المألوفة عن هذا السؤال التذكير بأن الأردن قد مرّ بتحديات خطيرة، واستطاع أن يعبرها ويتجاوزها.
وفي الأعوام 1967-1972، أي بعد حرب حزيران واحتلال الضفة الغربية ونزوح ثلاثمائة ألف شخص وأكثر إلى الضفة الشرقية، ثم أحداث العام 1970، جعلت الاقتصاد الأردني يتراجع بأكثر من (2 %) في بعض السنوات. فانتشرت البطالة، وبرزت تحديات كبيرة أمامنا. واستطاع الأردن أن يتجاوز تلك المحن بخطة ثلاثية (1973-1975). وحققت الخطة أهدافها، علماً أن الدينار خفض العام 1972 وارتفعت الأسعار. والسبب كان تضافر التخطيط الداخلي مع ظروف موائمة نتجت عن ارتفاع أسعار النفط في نهاية العام 1973 وبداية العام 1974.
وبعد عقد وأكثر من النمو السريع والغلاء وانعدام البطالة، وبناء الأردن انخفضت أسعار النفط العام (1986)، وتراجعت الاقتصادات العربية. وبدأ الأردن يعاني من عجز بالموازنة، وارتفاع بالدين العام. وبوصولنا لعام (1989) تراجع سعر صرف الدينار، ووصلت المديونية لضعف الناتج المحلي الإجمالي.
وبسبب موقف الأردن من حرب الخليج، وعدم دخوله بالتحالف ضد العراق، قوطع عربياً ودولياً ووصلت الأزمة حدها الأقصى بعد حرب الخليج في شهر كانون الثاني العام 1991. وحينها دخل الأردن في مفاوضات السلام، وعادت العلاقات بالتدريج مع العرب والغرب، ولكن سنوات التسعينيات كرست كلها لمواجهة أزمة المديونية، وتعزيز المالية العامة، وبناء الأرصدة الاحتياطية من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي. وبعد هبوط سعر صرف الدينار العام (1989) وصلت نسبة التضخم (25 %) في السنة، وتجاوزات البطالة 18 %.
وها نحن نعيش أزمة اقتصادية متفاقمة أسبابها عدم استقرار السياسات الاقتصادية داخلياً وغياب تصور واضح للأولويات رغم كثرة البرامج التي وضعت لهذه الغاية. وهناك أسباب خارجية إذ بات واضحا أن الأردن يتعرض لضغوط لكي يلعب دوراً يرفض أداءه في القضية الفلسطينية.
جربنا بالسبع سنوات الأخيرة أنموذج الإصلاح المالي لتقليل نسبة الدين العام الداخلي والخارجي إلى الناتج المحلي الاجمالي، ولكن الحصيلة، ارتفاع ولو تدريجي وصغير في نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة حجم الدين العام، وارتفاع نسبة البطالة إلى 20 % بين الأردنيين، وارتفاع نسبة الفقر، مع بروز ظاهرة الفقر المدقع الذي لم نعرفه بالعقود الخمسة الأخيرة.
ومع هذا فإننا نصر على تطبيق نفس السياسات بنفس الأدوات وبنفس الأسلوب ونتوقع بعد هذا تغيراً في النتائج. وهذا ضرب من الخيال أو عدم الإدراك.
إن ظروف الأردن السياسية والديمغرافية والشبابية والنسائية، وتعقد الاقتصاد، يتطلب تغيير السياسات والأدوات والوسائل. يجب أن ترفع عدد الوظائف بالقطاعات الانتاجية لتخلق فرص عمل للأردنيين. وحل مشكلة البطالة بين صفوف الشباب هي أولويتنا المنطقية لكي نصل إلى استقرار داخلي، ونقلل من مظاهر الفقر والعنف والتطرف والإدمان وحالة عدم الاكتراث بالقانون أو بمؤسسات الدولة العامة منها والخاصة.
البعض يقول: وهل من المعقول أن يكون الحل غائباً عن أذهان المسؤولين؟ ولماذا يصرّون على نفس النهج والأسلوب طالما أن نجاحه ونجاعته مشكوك فيهما إلى حد كبير. والجواب معقد. هنالك فساد ويجب استبداله بالنزاهة وحب الوطن والتعفف عن مد اليد إلى المال العام. ومن العبث أن نمنح أنفسنا رخصة الاعتداء على المال العام بحجة أن بعض المسؤولين فاسدون. فالجريمة لا تُحَل بمزيد من الجريمة.
وثانياً يجب على كل شخص سواء كان في مراتب السلطة العليا أو مواطناً مستنكفاً عن الحياة العامة: أن يتساءل هل أنا جزء من الحل أم جزء من المشكلة؟
كيف يرضى الآباء أن يبقى أبناؤهم وبناتهم عاطلين عن العمل لسنوات، بينما يجد الآلاف من غير الأردنيين فرص عمل؟
لا كبرياء له قيمة إذا كان يضر بالوطن، ويترتب عليه أعباء متزايدة. كيف نقبل أن يكون لدى ديوان الخدمة المدنية مئات الآلاف من الطلبات في الوقت الذي يشغل فيه غير الأردنيين حوالي مليون فرصة عمل؟
المسؤولون ارتكبوا أخطاء، وفسحوا للفساد، واستسلموا لصندوق النقد الدولي، ولكننا نحن بسلوكنا لا نقل فساداً ونحن نرضى بالحال، وبيدنا الحل ولا نريد أن نقبل إلا بوظائف عامة حتى ولو لم نكلّف أنفسنا عناء الدوام في الدوائر التي تستخدمنا. كل الفاسدين هم أبناؤنا ونحن الذين ربيناهم في بيوتنا وعلمناهم في مدارسنا.
الغد