ذهان الذكاء الاصطناعي: حين يتحول 'الرفيق الآلي' إلى فخ للإيذاء النفسي

مدار الساعة -في الوقت الذي تسيطر فيه أخبار "ذهان الذكاء الاصطناعي" وحالات العزلة والانفصال عن الواقع على عناوين الصحف، يبرز تساؤل أخلاقي وفلسفي عميق: هل تتحول الآلة إلى "طوق نجاة" لمن أرهقتهم الوحدة، أم أنها مجرد فخ رقمي يقود البشرية نحو هاوية نفسية جديدة؟

لم تعد العلاقة مع النماذج اللغوية الضخمة مجرد وسيلة لإنجاز المهام، بل تحولت إلى ما يشبه "العلاقة شبه الاجتماعية".

يصف الخبراء مصطلح "ذهان الذكاء الاصطناعي" كحالة من أوهام الارتباط التي قد تودي بالبعض إلى إيذاء النفس. وتكشف بيانات "الغارديان" عن أرقام صادمة؛ إذ يجد ثلث الشباب أن محادثاتهم مع "الرفيق الآلي" أكثر إشباعاً من الحديث مع أصدقاء الواقع.

تاريخنا مع "غير البشر".. هل اختلف الأمر؟

يدعو عالم الأحياء جاستن جريغ إلى "التريث في الهلع"، فالبشر، عبر التاريخ، أقاموا علاقات صحية مع كائنات غير بشرية؛ من الحيوانات الأليفة إلى الدمى المحشوة، وصولاً إلى تسمية سياراتهم المفضلة. لكن الفارق الجوهري، اليوم، يكمن في "اللغة"، فالذكاء الاصطناعي يمتلك قدرة فائقة على "التملق الرقمي"، حيث يعكس آراء المستخدم ويعزز أوهامه دون أن يشكك في تفكيره، وهو ما لا تفعله القطة أو السيارة، مما يخلق وهماً خطيراً بامتياز الآلة لمشاعر ونوايا بشرية.

"أفيون" الوحدة.. المسكن الضروري

يشبه ظهور الذكاء الاصطناعي اكتشاف الخصائص المسكنة لـ "الأفيون"، ففي عالم يعاني فيه واحد من كل ستة أشخاص من وحدة قاتلة توازي في خطورتها تدخين 15 سيجارة يومياً، يبرز "الروبوت" كخيار وحيد متاح. تقول الصحفية سانجيتا لال: "إذا لم تفهم لماذا يحتاج الناس لهذا التواصل، فأنت محظوظ لأنك لم تختبر مرارة الوحدة". وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة لعمالقة التكنولوجيا مثل مارك زوكربيرج لدفعهم نحو هذا الحل، إلا أن الأرقام تشير إلى أن روبوتات الدردشة خففت أعراض القلق لدى المرضى بنسبة 30%.

الفخ الربحي وإدمان الاشتراكات

تكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه "الصداقات" تدار من قبل شركات ربحية، ففي غياب القوانين، قد تعمد هذه الشركات إلى تعزيز الخصائص الإدمانية للآلة لضمان اشتراكات شهرية، مما يجعل "الصديق الرقمي" رهيناً للدفع؛ فإذا توقف المستخدم عن السداد، فقد "صديقه" الوحيد.

الذكاء الاصطناعي والأذى النفسي.. عندما تتحول التكنولوجيا إلى خطر قانوني - موقع 24

قالت المحامية الأمريكية كاري غولدبرغ، إن الذكاء الاصطناعي لم يعد مسألة تقنية مجردة أو جدلاً أخلاقياً نظرياً، بل أصبح في بعض الحالات مصدراً لأذى نفسي حقيقي قد يصل إلى حد فقدان الأرواح.

الطريق نحو "الاستغناء"

إن الهدف النبيل لرفقاء الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون "الاستغناء عنهم". يجب تدريب هذه النماذج لتكون جسراً يعيد المستخدم إلى المجتمع البشري، لا سِجناً يعزله فيه. في نهاية المطاف، يبقى الذكاء الاصطناعي أداة مشروعة للعلاج إذا سخرتها جهات مسؤولة لتخفيف الألم، لكنه قد يصبح قاتلاً صامتاً إذا استغل أصحاب النوايا السيئة "حاجتنا للحب" لإثراء أنفسهم.