أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الدردساوي يكتب: أثر تقييد حبس المدين في القانون الأردني


المحامي محمد أحمد الدردساوي

الدردساوي يكتب: أثر تقييد حبس المدين في القانون الأردني

مدار الساعة ـ

تُعدّ العدالة الغاية الأسمى من وجود القضاء، فهي الميزان الذي تُحفظ به الحقوق وتُصان به الكرامات، وبها تستقيم المعاملات وتترسخ الثقة بسيادة القانون. غير أنّ هناك مسائل أثارت جدلًا واسعًا في الواقع القضائي الأردني ومن أبرزها تقييد حبس المدين بموجب التعديلات التي طرأت على قانون التنفيذ الأردني، والتي اتجهت نحو حماية المدين على حساب الدائن، دون توفير بدائل تنفيذية كافية تضمن التوازن بين الطرفين.

أولًا: الإطار القانوني لحبس المدين في القانون الأردني

نصّ قانون التنفيذ الأردني في المادة ٢١/و

١- لا يجوز حبس المدين إذا عجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي ….

ويفيد النص بعدم جواز حبس المدين بسبب عجزه عن الوفاء بالدين.

وقد عزّز المشرّع هذا الاتجاه في التعديلات الأخيرة، حيث قُيّد حبس المدين بشكل كبير، وحُصر في حالات استثنائية محدودة، مع التأكيد على حماية المدين المعسر، انسجامًا مع الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية.

كما نصّ القانون في جوهره على أن:

التنفيذ الجبري يهدف إلى استيفاء الحق لا إلى معاقبة المدين.

غير أنّ هذه السياسة التشريعية، وإن كانت تهدف إلى حماية الكرامة الإنسانية، أفرزت في التطبيق العملي آثارًا سلبية انعكست على الدائنين ومنظومة العدالة التنفيذية.

ثانيًا: الآثار السلبية لتقييد حبس المدين

أولًا، أدى تقييد حبس المدين إلى عدم توافر وسيلة ضغط فعّالة تُلزم المدين المماطل بالتنفيذ، فيتحول الحكم إلى مجرد سند قانوني بلا أثر عملي.

ثانيًا، شجّع هذا الوضع بعض المدينين سيئي النية على المماطلة والتهرب من السداد، ولا سيما القادرين على الوفاء، مستغلين الحماية القانونية المقررة للمدين، الأمر الذي فتح المجال لإخفاء الأموال والتحايل على إجراءات التنفيذ.

ثالثًا، أضرّ هذا النهج بـ الثقة في المعاملات المالية والتجارية داخل المجتمع الأردني، إذ بات الدائن يتردد في الإقراض أو التعاقد، خشية صعوبة استيفاء حقه عند الإخلال بالالتزام، مما ينعكس سلبًا على النشاط الاقتصادي والاستثماري.

رابعًا، أخلّ تقييد حبس المدين بـ مبدأ العدالة التعاقدية، حيث تحمّل الدائن وحده نتائج الإخلال بالعقد، في حين لم يُواجه المدين المماطل أي جزاء فعلي، وهو ما يتعارض مع القاعدة القانونية المستقرة:

«العقد شريعة المتعاقدين»

وما قرره القانون المدني الأردني من وجوب تنفيذ العقد طبقًا لما اشتمل عليه وبحسن نية.

خامسًا، دفع ضعف التنفيذ بعض أصحاب الحقوق إلى اللجوء لوسائل غير قانونية لاسترداد ديونهم، مما يُهدد السلم الاجتماعي.

ثالثًا: التمييز بين المدين المعسر والمدين المماطل في الفقه والتشريع

يُلاحظ أن القانون الأردني، شأنه شأن الفقه الإسلامي، يميّز من حيث المبدأ بين المدين المعسر والمدين المماطل. فقد قرر الشرع الإسلامي:

﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ﴾

(البقرة: 280)

وفي المقابل، اعتبر مماطلة القادر ظلمًا، حيث قال النبي ﷺ:

«مَطْلُ الغنيِّ ظُلم»

(متفق عليه)

غير أن الإشكال في التطبيق العملي للقانون الأردني يكمن في صعوبة إثبات المماطلة والقدرة المالية، مما أدى إلى استفادة المدين المماطل من الحماية المقررة أصلًا للمدين المعسر.

الخلاصة

إن العدالة تقتضي إعادة النظر في أدوات التنفيذ، بما يحقق حماية المدين المعسر من جهة، وردع المدين المماطل وضمان استيفاء الحقوق من جهة أخرى، تحقيقًا للعدل الذي هو أساس القضاء وغاية التشريع

مدار الساعة ـ