أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات مغاربيات دين بنوك وشركات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الهروب إلى النجوم: هل يحل استيطان الفضاء مشكلات الأرض أم يفاقمها؟

مدار الساعة,أخبار التكنولوجيا، التقنيات
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة -في العالم الغربي لا يملك أحد نفوذاً أكبر على كيفية تحقيق هذا المستقبل مما يملكه إيلون ماسك وجيف بيزوس، فهما من أغنى رجال العالم وكلاهما يمتلك شركات فضاء تجارية ويبلغ صافي ثروتهما المشتركة أكثر من 650 مليار دولار، وهو مبلغ ينمو لينافس إجمالي الميزانية التي خُصصت لوكالة ناسا طوال تاريخها الممتد لستة وستين عاماً.

ويمتلك ماسك وبيزوس أفكاراً مختلفة حول شكل المستقبل البشري في الفضاء، ورؤاهما ليست بالضرورة متعارضة لكن كلاً منهما يطرح تحدياته الخاصة من الناحية التقنية والمالية والسياسية والأخلاقية، وقد كان لماسك التأثير الأكبر على استكشاف الفضاء في السنوات الأخيرة سواء من الناحية الثقافية أو التكنولوجية بتركيزه الفريد على المريخ، متخيلاً يوماً يستضيف فيه الكوكب الأحمر مستوطنة بشرية مترامية الأطراف.

بينما حافظ بيزوس على تركيزه أقرب قليلاً إلى الأرض عبر رؤية لنقل الصناعات الثقيلة والملوثة خارج الكوكب إلى مختبرات فضائية دوارة تعيش فيها مستعمرات بشرية وتعمل بدوام كامل، محولاً الأرض في مخيلته إلى محمية وطنية للمعيشة والترفيه فقط.

ومع اقتراب نهاية عام 2025، انتقل هذا الصراع من مجرد رؤى نظرية إلى مواجهة تقنية وسياسية مباشرة، حيث شهد الربع الأخير من العام الحالي تحولاً دراماتيكياً بنجاح شركة "بلو أوريجين" في إطلاق صاروخها العملاق "نيو غلين" واستعادة معززه الصاروخي وهبوطه عمودياً بنجاح، مما كسر احتكار شركة "سبيس إكس" الطويل لهذا المجال، وفي الوقت نفسه اكتسب ماسك نفوذاً سياسياً غير مسبوق عبر دوره الرسمي الجديد في الإدارة الأمريكية بهدف تفكيك البيروقراطية وتسريع تراخيص الإطلاق.

ورغم هذا النفوذ فقد اضطر ماسك لتعديل جدوله الموغل في التفاؤل معلناً تأجيل الرحلة المأهولة للمريخ إلى عام 2030 بسبب عقبات هندسية تتعلق بنظام إعادة التزود بالوقود في المدار، وهو التحدي الذي لا يزال يواجه مركبة "ستار شيب" العملاقة رغم نجاح تجارب التقاطها ميكانيكياً.

وفي المقابل لا يؤمن بيزوس بضرورة استيطان كوكب آخر واصفاً ذلك بـ "الشوفينية الكوكبية"، ومفضلاً بناء "مستعمرات أونيل" المدارية التي يبلغ عرضها أميالاً وتستوعب ملايين البشر، معتمداً على القمر كقاعدة أساسية للموارد، ومنتقداً صعوبات الوصول للمريخ التي لا تتاح إلا مرة كل عامين عبر نافذة انتقال محددة.

وتبرز في ثنايا هذا السباق تساؤلات وجودية حول التراكم الهائل للثروة والسلطة في يد "أباطرة الفضاء"، حيث يحذر الخبراء مثل فيل ميتزجر من أن اقتصاد الفضاء قد يتجاوز اقتصاد الأرض في غضون عقود قليلة مما قد يضع القوة المطلقة في يد من يملكون رأس المال الكوني.

كما تبرز المخاطر البيئية الناتجة عن زيادة وتيرة الإطلاق التي قد تضر بطبقة الأوزون وتغير أنماط المناخ عبر ترسيب الكربون الأسود في الستراتوسفير، ورغم أن المليارديرين يصوران مساعيهما كأعمال خيرية لضمان بقاء البشرية في حال وقوع كارثة أرضية، إلا أن علماء مثل أليس جورمان يرون في ذلك وسيلة للهروب من مشكلات الأرض بدلاً من حلها، مشيرين إلى أن التكنولوجيا التي تمكننا من العيش في بيئات الفضاء القاسية هي نفسها التي يمكنها إنقاذ بيئة الأرض.

وتستعد وكالة ناسا لإطلاق مهمة "أرتميس 2" المأهولة حول القمر في غضون أسابيع من مطلع العام الجديد، يظل التنافس بين مريخ ماسك ومدن بيزوس المدارية هو المحرك الأساسي للعصر الذهبي الجديد للفضاء، وسواء نجحت تكنولوجيا "التأريض" في جعل المريخ صالحاً للسكن أو تحولت مدارات الأرض إلى مدن صناعية، فإن اليقين الوحيد هو أن البشرية قد بدأت بالفعل خطوتها الأولى نحو التحول إلى كائن فضائي، مدفوعة بفضول إنساني لا يشبع وأطماع مالية وسيادية لا تحدها السماء.


مدار الساعة ـ