أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الجوابرة يكتب: ما حقيقة حقن +NAD في الأردن؟ البيوهاكينغ biohacking تحت مجهر الغذاء والدواء الأردنية


الدكتور محمد عقاب الجوابرة

الجوابرة يكتب: ما حقيقة حقن +NAD في الأردن؟ البيوهاكينغ biohacking تحت مجهر الغذاء والدواء الأردنية

مدار الساعة ـ

شهد العالم خلال السنوات الأخيرة تصاعدًا لافتًا في ممارسات ما يُعرف بالبيوهاكينغ Biohacking ، وهي مجموعة من الأساليب التي تهدف إلى تحسين أداء الجسم والعقل وإبطاء مظاهر التقدم في العمر. هذا التوجه، الذي بدأ في أوساط و مراكز التكنولوجيا والابتكار العالمية، تحوّل تدريجيًا إلى سوق واسع تُسوّق فيه اجراءات صحية وطبية تحت عناوين جذابة مثل تعزيز الطاقة، مكافحة الشيخوخة، وتحسين جودة الحياة. ومن بين أكثر هذه الممارسات إثارة للجدل، برزت حقن نيكوتيناميد أدينين ثنائي النوكليوتيد (+NAD) الوريدية، التي انتقلت بسرعة من المختبرات والأبحاث النظرية إلى مراكز التجميل والعيادات الخاصة.

يعتمد الاهتمام بمادة +NAD على دورها البيولوجي المحوري في إنتاج الطاقة الخلوية وإصلاح الحمض النووي وتنظيم مسارات الشيخوخة. وتشير الأبحاث إلى أن مستويات هذه المادة تنخفض مع التقدم في العمر، ما فتح الباب أمام فرضيات علمية تربط بين تعزيزها وتحسين الوظائف الحيوية. غير أن الإشكالية تبدأ عندما يتم القفز من هذه المعطيات العلمية إلى تسويق الحقن الوريدية باعتبارها علاجًا مثبتًا وفعّالًا، في حين أن معظم الأدلة المتوافرة لا تزال محدودة أو غير حاسمة، وتعتمد في كثير من الأحيان على دراسات مخبرية أو حيوانية أو على مكملات غذائية فموية ( حبوب او كبسولات ) وليس على تجارب سريرية واسعة تدعم الاستخدام بالحقن الوريدي المباشر.

في الأردن، لم يكن انتشار هذه الممارسات بعيدًا عن السياق العالمي، إذ بدأت بعض المراكز الصحية والتجميلية بتقديم خدمات حقن +NAD ضمن ما يُعرف ببرامج تعزيز الصحة أو مكافحة الشيخوخة، مستفيدة من الطلب المتزايد والاهتمام الإعلامي. هذا الواقع أوجد منطقة رمادية بين ما هو طبي وما هو تجميلي أو تجاري، وطرح تساؤلات جوهرية حول السلامة، والمسؤولية المهنية، والإطار القانوني المنظم لمثل هذه التدخلات.

أمام هذا المشهد، جاء تدخل المؤسسة العامة للغذاء والدواء ليؤكد أن هذه الممارسات لا يمكن التعامل معها كخدمات سريرية عادية، بل بوصفها تدخلات غير طبية لكن ذات طابع طبي تخضع للتشريعات الناظمة للأدوية والممارسات العلاجية. وقد شملت الإجراءات ضبط المستحضرات غير المسجلة، ومنع تداولها أو استخدامها خارج القنوات الرسمية، والتأكيد على أن أي إجراء وريدي يجب أن يكون مبنيًا على أساس علمي وترخيص قانوني واضح.

هذا التدخل لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق السياسي والصحي العام في الأردن، حيث تقوم الاستراتيجية الصحية الوطنية على حماية المواطن، وتعزيز الاستخدام الرشيد للأدوية، ومنع تسلل الممارسات غير المثبتة إلى النظام الصحي. كما أن ضبط هذا النوع من التدخلات يسهم في الحفاظ على الثقة العامة بالمؤسسات الصحية و المنظومة الرقابية ويمنع تحويل السوق الصحي إلى مساحة مفتوحة للتجريب التجاري غير المنضبط.

اقتصاديًا، تمثل حقن +NAD مثالًا واضحًا على التداخل بين الطب القائم على الدليل والطب القائم على العائد المالي. فهذه الخدمات تُعد مرتفعة الربحية مقارنة بتكلفتها التشغيلية، ما يجعلها جذابة من منظور تجاري، حتى في ظل غياب أدلة قوية على فعاليتها أو جدواها الاقتصادية على المدى البعيد. ومن منظور اقتصاديات الصحة Health Economics فإن السماح بانتشار تدخلات غير مثبتة قد يؤدي إلى كلف مستقبلية أعلى، سواء نتيجة مضاعفات صحية محتملة أو بسبب تقويض الثقة بالنظام الصحي، وهو ما ينعكس سلبًا على الاستدامة المالية والسمعة للنظام الصحي.

ولا تخلو عملية التنظيم من تحديات واقعية، أبرزها ضعف الوعي الصحي لدى بعض الفئات، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تضخيم الادعاءات غير العلمية، إضافة إلى التداخل بين العيادات الطبية ومراكز التجميل، وصعوبة الرقابة على الممارسات التي تُقدَّم أحيانًا خارج الأطر المعلنة. ومع ذلك، فإن التعامل الحازم مع هذه التحديات يُعد أقل كلفة بكثير من ترك السوق يتجه نحو فوضى تنظيمية يصعب تصحيحها لاحقًا.

في المحصلة، لا تتعلق قضية البيوهاكينغ Biohacking وحقن +NAD في الأردن بمنع الابتكار أو محاربته، بل بإدارته ضمن إطار قانوني وعلمي واضح يوازن بين حق الاستثمار وحق المواطن في الحصول على رعاية صحية آمنة وموثوقة. وقد أظهرت الإجراءات الرقابية و التنظيمية الأخيرة أن دور الجهات الرقابية متمثلة بالمؤسسة العامة للغذاء و الدواء لا يقتصر على المنع، بل يمتد إلى حماية المسار الصحيح للتطوير الصحي، بما يضمن أن يبقى الطب قائمًا على العلم، لا على الوعود التسويقية العابرة.

مدار الساعة ـ