رد فعل النظام العربي الرسمي على قرار حكومة إسرائيل الاعتراف بدولة أرض الصومال، بقدر ما فيه من غضب وانفعال، فإنه يقدم مثالا صارخا على العجز وقلة الحيلة. لقد مضى على ولادة هذا الكيان الانفصالي، نحو ثلاثة عقود تقريبا، لم يكترث خلالها العرب لهذا الفعل الخطير. صحيح أن ما من دولة أو منظمة دولية اعترفت بهذا الكيان، لكن، وهنا المفارقة، أن "أرض الصومال" كانت قادرة طوال هذه السنوات على البقاء والاستمرار كدولة، بالاعتماد على اقتصاد هش وضعيف، وعلاقات تجارية محدودة مع دول دون اعتراف رسمي.
يتكرر النموذج الصومالي، على نحو مشابه في أطراف أخرى من عالمنا العربي، المنهك بالحروب الأهلية والصراعات الإقليمية، وسط عجز تام من نظامه الرسمي وجامعته العربية.بالتزامن مع الفزعة العربية ضد الخطوة الإسرائيلية بحق الصومال، كانت دولة عربية أخرى تشهد ولادة كيان جديد من رحمها؛ دولة الجنوب العربي في اليمن. اليمن الغارق في الانقسام، الشطر الواقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية، ينقسم على نفسه. ندد الجميع بهذه الخطوة، وسطرت بيانات تدعو إلى التعقل والحكمة، لكن قوات "الانتقالي" واصلت تقدمها لتسيطر على مزيد من مناطق الشرعية. قيل إن ما حدث ناجم عن خلافات بين القوى الراعية لليمن، وأشار آخرون إلى أسباب داخلية محضة، وصراع بين جماعات قبلية وقوى سياسية متنفذة، لا ترى بديلا عن الانفصال والعودة إلى مرحلة ما قبل الوحدة اليمنية.شيئا فشيئا سيستوعب النظام العربي الرسمي، الوضع الجديد، ويتعايش معه، بينما تتحرك دول إقليمية وقوى دولية لاستثمار هذا الانقسام لتغذيه، وتبني قواعد النفوذ لنفسها، ولا عجب أن نجد إسرائيل حاضرة في المشهد بوقت قريب.ما الذي ينتظر السودان في المستقبل غير مزيد من التشظي؟ حرب أهلية طاحنة، تغذيها طموحات داخلية وأطماع خارجية. أحد أطرفها هرع مبكرا لطلب نجدة إسرائيل، وتبادل معها اتفاقيات التعاون والتطبيع. ورغم تجربة انفصال دولة الجنوب في السودان، التي لم يعد أحد في الغرب يكترث لمصيرها، لم تتعلم الأطراف المتصارعة هناك من التجربة. السعي لسلطة بائسة يعمي عيون النخب في عديد الدول العربية عن رؤية مصالح شعوبهم وبلدانهم. وفي ذات الوقت لا يجدون منظومة عربية رسمية قادرة على ردعهم، على العكس تماما، ثمة رعاة عرب للحرب الأهلية في السودان.في سورية يقترب الهَجري من إعلان كيان منفصل، عمليا تم الإعلان وتغيير التسمية التاريخية للمنطقة. وتكشف التقارير الإعلامية عن خطوات إسرائيلية منظمة لتدشين الكيان الانفصالي، ودعمه بالمال والسلاح.القاسم المشترك في كل مبادرات الانفصال، كما تلاحظون هو الدور الإسرائيلي. دول تحت الرعاية الإسرائيلية، في جوف العالم العربي. وثمة دول أخرى غير اليمن والصومال وسورية مرشحة للسير على نفس الطريق إذا لم يتحرك العرب. ليبيا، تقترب من أن تكون نموذجا للانفصال، ولبنان ليس بعيدا عن الأخطار، ومثله العراق إن لم يداوِ جراحه.فشل الدولة الوطنية يدفع لتفتتها، ويغري القوى الطامعة بتفكيكها. إسرائيل جاهزة لتولي المهمة، ما لم تبادرْ القوى الكبرى في العالم العربي باحتواء هذا الانهيار المتواصل.كيانات انفصالية تحت رعاية إسرائيلية
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ