يتسرع من يعتقد بأنني كاتب و محلل بإمكاني الأنحياز و التخندق في صف طرف محارب ضد الطرف الأخر المدافع ، أو بالعكس ، وكما أكتب و أقول دائما الحرب الأوكرانية شيوعا ليست حربنا نحن العرب ، و لدينا ما يكفينا بوجود إسرائيل الاحتلالية ، الاستيطانية ، الاستعمارية ، النازية . وجلست أمس السبت 27 كانون الأول 2025 و أنا أشاهد ولفترة طويلة برنامج مسرحي ساخر سابق للفنان الكوميدي فلاديمير زيلنسكي ضمن فعاليات ( كي . في . إن ) و منطقة 95 ، – رئيس أوكرانيا ، أو غرب أوكرانيا المنتهية ولايته منذ عام 2024 في زمن الحرب ، و هو المنتخب عام 2019 ولا يعترف بإنتهاء ولايته بسبب الأحكام العرفية المتعلقة بالحرب ، و تطالبه روسيا و أمريكا بإجراء استفتاء شعبي بضمانات روسية و دولية ،و هو الجاري الان . وعندما قدم إلى السلطة في ( كييف ) العاصمة وعد بسلام مع روسيا الاتحادية جارة التاريخ إلى جانب اتحاد الدول المستقلة . وواجبي المهني الإعلامي الموضوعي و غير المحايد انصاف الجانب الذي فرضت عليه الحرب مثل روسيا ، و اظهار الجانب الذي ورط في الحرب مثل الأوكراني الذي يمثل العاصمة ( كييف ) و أوحاول انقاذه .
لا يصدق الناس في عالمنا العربي حتى الساعة من بدأ الحرب الأوكرانية – الروسية و بالعكس الروسية – الأوكرانية في الأعوام 2014 / 2022 وحتى الان ؟ . و السؤال العريض الذي يطرح وسطها ، هو ، هل كان من الممكن تفاديها بالكامل ؟ و هل من الممكن ايقافها الان و ليس غدا ؟ لقد سجل التاريخ المعاصر بأن الثورات البرتقالية الأوكرانية الاصلاحية تم اختراقها من قبل الغرب اللوجستي و السياسي ، و كذلك انقلاب ( كييف ) الدموي عام 2014 ، خاصة من قبل بريطانيا – باريس جونسون ، و أمريكا – جو بايدن . وتم من قبلهما قنص التيار البنديري المتطرف العائدة جذوره لأتون الحرب العالمية الثانية ، لجدهم بانديرا المحارب في صف النازية الالمانية . و هدف الغرب الأمريكي بطبيعة الحال ليس حماية استقلال أوكرانيا الذي منح لها من قبل الاتحاد السوفيتي بعد قرار تفكيكه رقم 142 / عام 1991 واعترفت الأمم المتحدة به بعد تقديم روسيا بالذات للقرم و الدونباس هديه لها شريطة التزام الحياد و عدم التجذيف تجاه أحلاف معادية مثل ( الناتو ) و ليس تجاه الاتحاد الأوروبي المسموح به و غير الضار،ووفق اتفاقية واضحة . و بالمناسبة وكما أكتب لقد سبق لروسيا – بوتين أن عرضت دخول ( الناتو ) عام 2000 لردم الحرب الباردة و سباق التسلح و قوبل بالصمت ، بينما هدف الحرب الأوكرانية من قبل الغرب ،و خاصة الاتحاد الأوروبي الان هو تصعيد الحرب الباردة و سباق التسلح مع روسيا الناهضة ،و هو المكشوف . لقد أرادت روسيا لجارتها أوكرانيا التي تجمعها بها الحدود ،و الجغرافيا ، و الديموغرافيا ،و الاقتصاد ، و الموقع الاستراتيجي الهام الاستقرارو التقدم التنموي ، لكن النظام الأوكراني الذي نقل ولايته عبر صناديق الاقتراع من بيترو باراشينكا إلى فلاديمير زيلينسكي ، اختار التطرف ،و ادارة الظهر بالكامل لروسيا ، و سمح للغرب الأمريكي العبث بأوارقه السياسية ،و الدينية ، و اللغوية ،وحتى الاجتماعية ، و أرادوا لأوكرانيا أن تشبه أفغانستان عام 1979 ، و شجعوها على تدمير علاقتها التاريخية مع روسيا ، و على الغاء حضور اللغة الروسية الهامة بالنسبة للأوكران مثل الروس ، وعلى فصل زعامة الدين المسيحي الأرثوذكسي عن قاعدته الدينية في أوكرانيا ، و أفسدوا العلاقات الاجتماعية الأوكرانية – الروسية التي عرفت بتماسكها على الدوام . و أفشلوا اتفاقية ( مينسك – النورمندي عام 2015 ) الداعية لسلام روسي – أوكراني دائم ، و بمشاركة ( روسيا ، و أوكرانيا ، و بيلاروسيا ، و فرنسا ، و بريطانيا ، و ألمانيا ) ،و كذلك ما تعلق بسلام ( أنقرة ) عام 2022، و ( اسطنبول ) عام 2025 ، و استبدلوا السلام العادل الممكن بحرب خاسرة للجانب الأوكراني الغربي و لعموم الغرب . و هي حقيقة لا دعاية مؤقتة .ووقفت صناديق الاقتراع في ( القرم و الدونباس ) بالمرصاد للعابثين بأمن أوكرانيا لصالح الانضمام لروسيا و لدستورها ، و رفض التعامل مع نظام ( كييف ) ، و توجهه القسري بقبول نتيجة انقلاب عام 2014 ،و بضم شرق و جنوب أوكرانيا بنفس الطريقة و عبر وقوع خسائر بشرية كبيرة ،و تشريد غيرهم . واتضح للرأي العام العالمي بأن الغرب ، و تحديدا ( الناتو ) ، هو من بدأ الحرب ،و حرك نيرانها ، و دعمها ، و أبقاها ولا تزال مستمرة . و تساءل العامة من الناس ، و لازالوا يتساءلون ، لماذا لم تتمكن روسيا من حسم الحرب بسرعة و هي الممتدة منذ أكثر من ثلاث سنوات ؟ وإجابات موسكو – بوتين ،و كذلك واشنطن – ترامب على السؤال هذا ، بأنه كان بالأمكان الأنتهاء من الحرب في غضون أسابيع قليلة ، لكن فانتازيا الاتحاد الأوروبي قررت ديمومة الحرب و اعاقة السلام قدر المستطاع لغايات الحرب الباردة و سباق التسلح . و المفاجأة التي حصلت في المقابل ، و منذ جلسات المملكة العربية السعودية ، و في موسكو بين روسيا و أمريكا ، غيرت بوصلة الحرب تجاه امكانية توقيع سلام روسي – أوكراني بعد ظهور الشرعية الأوكرانية عبر استفتاء شعبي أوكراني تقبل به روسيا ، و تقدم له وقتا كافيا من وقف اطلاق النار .من عجائب الحرب الأوكرانية ، هو اعتبار روسيا – بوتين لها بأنها تتمتع بطابع خاص لا يؤذي الأوكران الاشقاء للروس ،و لا حتى النظام الأوكرانيا ، و لا زيلينسكي نفسه . و تقدم روسيا ذاتها على أنها ليست إسرائيل المعروفة بعدوانيتها و احتلالها. و حركت روسيا وبقرار رئاسي جماعي العملية الروسية الخاصة الدفاعية ، الإستباقة ، على أنها تحريرية لا احتلالية ، و هو واقع . و تصنف العاصمة ( كييف ) موسكو على أنها احتلالية عدوانية ، و تقصف المدن الروسية بالمسيرات الغربية الصنع التي تتصدى لها روسيا بقوة . و هو التصنيف المعتمد في الاتحاد الأوروبي الحاسد للنهوض الروسي ، و العامل على مدار الساعة من أجل نخر البناء الروسي ،ومنه التكنولوجي المتقدم بتسارع كبير ، خاصة على مستوى السلاح ، و الصناعات العسكرية النووية ، و السلمية كذلك .الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكا ، التي تتمركز بلاده في واجهة روسيا من جهة الغرب ، طرح سؤالا هاما على زيلينسكي و نظامه السياسي ، وهو لماذا الأقدام على افاقة الدب الروسي النائم ، في وقت قدمت روسيا لأوكرانيا كامل التسهيلات في القرم و الدونباس ، و على مستوى الاقتصاد ، و مادة الغاز الهامة بالنسبة لشتاء أوكرانيا و اقتصادها ؟ و لماذا العبث بالمكون السياسي الأوكراني بعدما كان صديقا لروسيا و لمنظومة الدول المستقلة على الدوام ؟ وماذا كسبت أوكرانيا بعد ذلك ، وحتى الان ؟ و هو السؤال نفسه الذي يطرحه الرئيس فلاديمير بوتين ، عندما يقول بأن أوكرانيا تحارب روسيا بسلاح غربي ، و تقدم جنودها للموت في الحرب ،من دون الأخذ بعين الاعتبار لكرامتهم ، بينما هم يدافعون ليس عن مصالح أوكرانيا و إنما عن مصالح الغرب .الورقة الأخيرة في الحرب الأوكرانية حسمتها روسيا حاليا برفض التعامل مع مقترحات الاتحاد الأوروبي حول الحرب ، و هو الذي يتخذ دورا غير عادل . و تصر على بقاء الحوار السياسي من أجل الوصول لسلام دائم و عادل مع أوكرانيا بأن يبقى مع الولايات المتحدة الأمريكية فقط . و الأمل يبقى معقودا ليس على انتصار روسيا الحتمي في الحرب ، و هي التي لم تبدأها فقط ، و إنما على نجاح توجه تعددية الأقطاب الذي تقوده روسيا بمشاركة أمريكية إلى جانب الصين ، و الهند ، و كوريا الشمالية ، و شرق ، و جنوب العالم . دعونا نراقب المشهد الدولي من هنا.العتوم يكتب: الأوكرانية – حرب العجائب
مدار الساعة ـ