أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الاستجابة لديوان المحاسبة


سلامة الدرعاوي

الاستجابة لديوان المحاسبة

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ

في كل عام ينشر ديوان المحاسبة تقريره الرقابي الذي يشمل الوزارات والدوائر الحكومية، والشركات المملوكة للحكومة، والبلديات، والجامعات الرسمية، والهيئات المستقلة، وغيرها من الجهات الخاضعة للرقابة، وفي كل مرة يتكرر السؤال ذاته لدى الرأي العام: ماذا بعد النشر؟

وهل تتحول الملاحظات والمخالفات إلى حلول حقيقية أم تبقى مجرد أرقام تتداولها وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي؟ لذلك فإن تقرير ديوان المحاسبة لعام 2024 يقدم إجابة مختلفة هذه المرة، ويكشف بوضوح أن الاستجابة باتت عنصرا أساسيا في مسار الرقابة والإصلاح.

حقيقة التقرير أن نسبة الاستجابة للمخرجات الرقابية بلغت 59 بالمائة، مقارنة بنسبة 48 بالمائة في عام 2023 ونحو 21 بالمائة في عام 2022، وهو تطور لافت يعكس تحوّلًا في سلوك الجهات الخاضعة للرقابة وفي منهجية الديوان ذاته.

وهذه النسبة تعني عمليا أن ما يقارب 60 بالمائة من الملاحظات التي رصدها الديوان خلال عام 2024 تم تصويبها قبل صدور التقرير، وبالتالي لم تُدرج ضمن مخرجاته النهائية، وهو ما يفسر تراجع حدة الجدل العام مقارنة بسنوات سابقة.

الأهم اقتصاديا أن هذا التحسن في الاستجابة اقترن بمؤشرات ملموسة، أبرزها تحقيق وفر مالي بلغ 22.3 مليون دينار، وتنفيذ أكثر من 123 ألف مهمة رقابية، بينها آلاف المهمات الفنية والهندسية، وهذه الأرقام تعكس انتقال ديوان المحاسبة من دور تقليدي يقتصر على رصد المخالفات إلى دور أكثر فاعلية يركز على المعالجة المبكرة وتقليل كلفة الأخطاء قبل أن تتراكم وتتحول إلى استنزاف مستمر للمال العام.

المنهجية الجديدة التي اتبعها الديوان في تقرير 2024 كان لها أثر مباشر على هذا التحسن، فالتركيز على الأهمية النسبية للملاحظات، واعتماد النقاش المباشر مع الجهات المعنية، وتوسيع استخدام مذكرات المراجعة الداخلية لمعالجة القضايا غير الجوهرية بسرعة، كلها أدوات ساهمت في تسريع مسار التصويب.

كما أن تطوير نظام إلكتروني محوسب لتتبع الملاحظات وتحديد مستويات المخاطر والمدة الزمنية للاستجابة عزز من جدية المتابعة وربط المسؤولية بالوقت والنتيجة.

اقتصاديًا، فإن ارتفاع الاستجابة الرقابية يحمل دلالات تتجاوز الأرقام، فهو يعكس تحسنا في كفاءة الإدارة العامة، ويحد من الهدر، ويعزز الثقة في المؤسسات الرقابية، وهي عناصر أساسية في أي بيئة استثمارية مستقرة، كما أن تخصيص جزء مستقل من التقرير لقطاع البلديات، الذي يدير موازنات تقارب مليار دينار سنويًا، يؤكد وعي الديوان بحساسية القطاعات القريبة من حياة المواطن وبأثرها المباشر على جودة الخدمات والإنفاق العام.

لا يعني ذلك أن التحديات انتهت، فوجود أكثر من ألف ملاحظة لم تُصوّب بعد، وإحالة قضايا إلى القضاء وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد، يؤكد أن مسار الإصلاح ما يزال قائماً، إلا أن الفارق الجوهري في تقرير 2024 يتمثل في أن الاستجابة باتت جزءًا من دورة الرقابة نفسها، لا مرحلة لاحقة مؤجلة.

ومن منظور اقتصادي، فإن هذا التحول يمثل خطوة مهمة نحو إدارة أفضل للمال العام، حيث تصبح الرقابة أداة تصحيح وتحسين، لا مجرد سجل سنوي للمخالفات.

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ