في كل مرة تعلن فيها الحكومة عن خطوة جديدة، يفترض أن يشعر المواطن بشيء من الطمأنينة، أو على الأقل بأن هناك محاولة جادة لمعالجة الأزمات المتراكمة. غير أن هذه الخطوات، حين تتحول إلى عناوين منفصلة عن الواقع المعيشي، تفتح الباب واسعًا أمام تساؤل مشروع:
هل تبقى من مشكلاتنا ما لم يحل، أم أن كل شيء توقف عند الكاميرات؟الإعلان عن تركيب آلاف الكاميرات لرصد المخالفات، ومئات الكاميرات لمراقبة رمي النفايات، وأخرى لمتابعة حملات التسول، يوحي وكأننا أمام مدينة مكتملة التنظيم، لا ينقصها سوى عين تراقب كل تفصيل. لكن السؤال الأهم يبقى: هل المشكلة في غياب الرصد، أم في غياب المعالجة الحقيقية؟هل انتهت البطالة حتى نراقب الشوارع؟هل تراجع الفقر إلى حد ملاحقة المتسولين بدل البحث في أسباب وصولهم إلى الشارع؟وهل تحسنت قطاعات التعليم والصحة، واستقرت الطبقة الوسطى، واطمأن الشباب على مستقبلهم؟المواطن لا يعترض على مبدأ القانون ولا على ضرورة النظام، لكنه يعترض على اختزال أزمات عميقة بإجراءات شكلية. فالكاميرا لا تخلق فرصة عمل، ولا تسد جوعًا، ولا تعالج إحباط الشباب، ولا تعيد كرامة أسرة دفعتها الظروف الاقتصادية القاسية إلى الشارع. الكاميرا ترصد النتيجة، لكنها لا تقترب من الجذور.عندما نراقب المخالفة ولا نصلح الطريق، ونحصي المتسولين ولا نحصي أعداد العاطلين عن العمل، ونشدد العقوبات دون التخفيف من أسباب الانهيار المعيشي، نكون قد اخترنا الحل الأسهل، لا الحل الأجدى.الأخطر من ذلك أن تتحول الدولة، في نظر مواطنيها، من شريك في الحل إلى جهة رقابية فقط، تشاهد أكثر مما تعالج، وتحاسب أكثر مما تنقذ، فتتسع الفجوة بين الخطاب الرسمي وواقع الناس اليومي.لسنا ضد التنظيم ولا ضد المحاسبة، لكننا مع ترتيب الأولويات. فالأولوية اليوم ليست كاميرا إضافية، بل سياسات اقتصادية واجتماعية تعيد الأمل. ليست ملاحقة الفقير، بل حماية كرامته. وليست مراقبة الشارع، بل إنقاذ البيت من الجوع.ويبقى السؤال الذي يطرحه الشارع، وبصوت لم يعد خافتًا:هل نعيش مرحلة حلول حقيقية، أم مرحلة إدارة أزمات بعدسة كاميرا؟وهل ستستخدم هذه الأدوات يومًا لرصد معاناة الناس، لا فقط مخالفاتهم؟سؤال برسم الإجابة، إن كان هناك من يقرأ، لا من يراقب فقطالكردي تكتب: بين الكاميرا والكرامة… هل عالجنا الأزمات أم اكتفينا بمراقبتها؟
مدار الساعة ـ