أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

المعايطة يكتب: حين ينتصر البرّ على المجد… ويعلو الإنسان على المنصب


الدكتور محمد المعايطة
دكتوراة صحافة وإعلام ونشر إلكتروني | نقابة الصحفيين الأردنيين

المعايطة يكتب: حين ينتصر البرّ على المجد… ويعلو الإنسان على المنصب

الدكتور محمد المعايطة
الدكتور محمد المعايطة
دكتوراة صحافة وإعلام ونشر إلكتروني | نقابة الصحفيين الأردنيين
مدار الساعة ـ
المعايطة يكتب: حين ينتصر البرّ على

ليس كلُّ من بلغ القمم يُجيد النزول عنها مختارًا، وليس كلُّ من امتلك المجد امتلك القلب الذي يعرف متى يتخفّف منه.

الدكتور محمد علي المعايطة فعلها بطمأنينة الواثق، وهدوء الكبار؛ ترك بريطانيا بعد عشرين عامًا من العطاء، لا هروبًا من مجد، ولا انكسارًا أمام صعوبة، بل استجابةً لنداءٍ أسمى: خدمة والديه وقد تجاوزا الثمانين من العمر. اختار البرّ، فازدادت قامته، واختار الرحمة، فازدادت سيرته نورًا.

في زمنٍ تُقاس فيه القامات بعدد المتابعين، ظلّ اسمه حاضرًا حيث لا تصل الضوضاء؛ في سجلات العلم، وفي ذاكرة الجراحة العالمية. فمنذ عام 2006 وحتى اليوم، لا يزال الدكتور محمد علي المعايطة متربعًا على عرش صاحب أعلى عدد من الشهادات في العالم، كلها نيلت بطريق الامتحان والتنافس، لا مجاملة فيها ولا فخرية. ماجستير من جامعة بريستول، دكتوراه من جامعة أوكسفورد، وزمالات كليات الجراحين الملكية البريطانية الأربع في لندن وغلاسكو وإدنبرة ودبلن – كليات تأسست منذ عام 1556 ميلادية – محققًا الميدالية الذهبية في امتحانات التجمع البيني لكليات الجراحين الملكية، وهو إنجاز لم يُسجَّل له مثيل منذ قرون.

ولم يقف عطاؤه عند حدود الشهادات، بل تجاوزه إلى حيث تُختبر الإنسانية في أصعب صورها. كان حاضرًا في واحدة من أدقّ وأخطر العمليات في تاريخ الطب: زراعة وجه كامل لطفلة، عملية غير مسبوقة، أعيد فيها وصل الشرايين والأوردة والعضلات والأعصاب بدقةٍ أعادت للحياة معناها. ولم يكن اختياره ضمن الفريق صدفة؛ بل جاء ثمرة خبرة فريدة في زراعة اللسان عند الخدّج والرضّع والأطفال والبالغين بنسبة نجاة كاملة، جعلته يتقدّم على جراحين من مختلف أنحاء أوروبا.

وفي ميدان التشوهات الخَلقية، سطّر اسمه حيث يتراجع غيره. امتلك أعلى عدد عالمي لعمليات تطويل وزراعة الفك السفلي للأطفال الذين يولدون بلا فك، أولئك الذين يتهددهم الموت اختناقًا. ابتكر حلولًا تُبقي الطفل على قيد الحياة حتى الوصول لغرفة العمليات، ثم يصنع له فكًا جديدًا على طاولة الجراحة، من عظام فخذه وحوضه وأحد أضلاعه، بفنٍّ ودقة تُشبه المعجزة. كما ساهم منذ أوائل التسعينيات في تطوير تقنيات تطويل الفك، من الأجهزة خارج الفم إلى داخل الفم، عبر براءات اختراعٍ غيّرت وجه الجراحة الحديثة.

هذه العمليات النادرة أُجريت عالميًا 125 مرة فقط، نفّذ الدكتور محمد المعايطة 78 حالة منها بمفرده، رقمٌ يضعه في مرتبةٍ تاريخية لا تُقارن. وحين سُئل يومًا، بتواضع العارف، إن كان يتوقع أن يتجاوزه أحد، ابتسم ابتسامة الواثق وقال بهدوء: لا توجد شهادة بعد الاثنتي عشرة التي أُغلقت أبوابها، وبعضها أُلغي لفرط صعوبته. كلمات قليلة، لكنها تختصر مسيرة رجلٍ يعرف قدر نفسه دون ادعاء.

ورغم هذا الثقل العلمي العالمي، ظلّ الإنسان فيه هو العنوان. متواضعًا، قريبًا، حاضرًا بخلقه قبل علمه. وفي وطنه الأردن، لم يكن اسمه عابرًا؛ بل تقدّم في مؤشرات البحث العلمي، وحصد المركز الأول على التخصصات العلمية والطبية والصيدلانية وطب الأسنان، والمركز الثاني بين مئات أعضاء الهيئة التدريسية، ليضيف لوطنه بهاءً وفخرًا، ويؤكد أن العظمة لا تُغترب عن جذورها.

شكرًا لك أيها العلّامة،

شكرًا لك أيها النشمي الكركي الأردني،

لأنك أثبتَّ أن العلم إذا اقترن بالأخلاق صار تاريخًا،

وأن التواضع إذا سكن القمم حوّلها إلى قدوة،

وأن اسم محمد بن علي المعايطة سيبقى شاهدًا نادرًا في ذاكرة الطب والجراحة… حالةً تاريخية لا تتكرر.

مدار الساعة ـ