تتمايز الأمم، وتتفاضل، وتفتخر فيما بينها بطقوسها واحتفالاتها التي يُستنشَق فيها عبقُ التاريخ، لاكتساب القوة للمضي قدماً نحو المجد، وتربية الأجيال على الفخر والعزة واحترام النفس والذات. فنجد طقوساً – وإن كانت غريبة – لحضاراتٍ كثيرة، من بلاد الهند إلى السِّند، وفي شتى البقاع والأقاليم، تتمسك بها الشعوب فتكون رمزاً لحريتها وكينونتها وقوتها، ودليلاً على تمايزها عن باقي الأمم.
إن اللغة تُعدّ من أهم ميزات الأمم؛ فإذا انسلخت أمة عن لغتها وتخلّت عنها، كان ذلك سبباً في تخلفها وتراجعها. كما أن تراث الأمم صفةُ تفرّدٍ تميّز هذه الأمة عن سائر الأمم، وبهذه الجوانب التراثية تقوم الأمم وتقوى شوكتها. ولنا في التاريخ خير برهان على ذلك، عندما انتهجت الدولة الأموية اللغة العربية لغةَ تخاطبٍ رسمية في جميع التعاملات بين الولايات العربية والعجمية التابعة للدولة. وكذلك نلمس اليوم اهتمام الدول العظمى في الاجتماعات والمؤتمرات الدولية بأن تكون لغة الخطاب الرسمية هي لغة البلاد الأصلية، تعبيراً عن احترام الذات وعزة النفس. فهذه الأمور، وإن قلّ مردودها ومنتوجها الفعلي على الواقع، نجدها تمسّ الهوية والذات الداخلية، وترفع من الشأن، وتعبر عن القوة والمنعة.إن حديثي اليوم عن هذا الموضوع هو للتأكيد على أهميته في بناء جيل قوي، ذي كيان وهوية، يعتز بطقوسه وتراثه ولغته أمام الآخر، ليساهم في صقل شخصية المجتمع ليكون مجتمعاً قوياً متماسكاً، ذا رابطة قوية يصعب صهرها وتفكيكها.إن الاهتمام بهذه الجوانب يتطلب عنايةً بالغة بموضوع اللغة العربية، لإعادة بريقها إلى المؤسسات التعليمية الرسمية وغير الرسمية، وإقامة المجالس التي تحتضن فنون الآداب المختلفة والمبارزات الشعرية، وأن تكون جميع المهرجانات حاضنةً لمحتويات هادفة من شأنها إحياء التراث والهوية المفقودة في عالمنا العربي. إن أول خطوات النصر والغلبة هي رسم كيان وهوية هذه الأمة، وإعادة التغني بانتصاراتها وأمجادها وأبطالها، لما يحمله ذلك من دور في إبرازها بين الأمم.أختتم بالتأكيد على أن المرحلة القادمة هي مرحلة التمايز الفكري والتراثي بين الأمم، وحتى يتحقق ذلك يجب العمل على إقامة كيان عربي بصيغة إسلامية، بتطريز أبعاد الهوية العربية الإسلامية، التي تكون سبباً للرفعة.الفاعوري يكتب: حين يكون التراث لغة، وتكون اللغة هوية
مدار الساعة ـ