أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

جوينات تكتب: ليكن خطاب محبة بدل خطاب الكراهية 'الأعياد'


د. مارسيل جوينات

جوينات تكتب: ليكن خطاب محبة بدل خطاب الكراهية 'الأعياد'

مدار الساعة ـ

تُعدّ الأعياد مناسبات إنسانية واجتماعية تحمل في جوهرها معاني الفرح والتلاقي، غير أنّ قيمتها الحقيقية تتجلّى في قدرتها على ترسيخ خطاب المحبّة بدل خطاب الكراهية. فالأعياد ليست مجرّد طقوس احتفالية عابرة، بل هي لحظات رمزية تُتاح فيها الفرصة لمراجعة العلاقات الإنسانية، وتجديد الروابط الاجتماعية على أساس من الودّ والتسامح، في مواجهة مظاهر التفرقة والعداء التي قد تسود في الحياة اليومية.

ويمثّل خطاب المحبّة في الأعياد مجموع التعابير اللغوية والسلوكية التي تعزّز التقارب بين الأفراد، ويتجلّى ذلك في تبادل التهاني، وصلة الرحم، وزيارة الأقارب، ومدّ يد العون للمحتاجين. في المقابل، يقوم خطاب الكراهية على الإقصاء والتجريح وإحياء الخلافات، وهو خطاب يتنافى مع روح الأعياد التي تقوم على الصفح والعفو والتراحم. لذلك تُشكّل هذه المناسبات فرصة حقيقية لإحلال لغة إيجابية تُعلي من شأن الإنسان وقيمه المشتركة.

وتساعد الأجواء النفسية والاجتماعية المصاحبة للأعياد على انتشار خطاب المحبّة، إذ يشعر الأفراد بالطمأنينة والانتماء، وتخفّ حدّة التوترات التي تفرضها ضغوط الحياة. وتنعكس هذه الحالة في اللغة المتداولة التي تمتلئ بالدعاء والأمنيات الطيبة، وفي السلوكيات التي تتّسم بالمسامحة وتجاوز الخلافات القديمة. كما يبرز دور الخطاب الديني والإعلامي في توجيه الوعي الجماعي نحو قيم الرحمة والعيش المشترك، والدعوة إلى نبذ الكراهية بكل أشكالها.

ولا يقتصر أثر خطاب المحبّة على العلاقات الفردية فحسب، بل يمتدّ ليشمل البنية الاجتماعية بأكملها، حيث يسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي وتقوية الشعور بالوحدة والانتماء. كما أنّه يحمل بعدًا إنسانيًا عالميًا، لأن الأعياد، رغم اختلافها الثقافي والديني، تشترك في هدفها الأساسي المتمثّل في إشاعة السلام والمحبة بين البشر.

ومع ذلك، فإنّ التحدّي الحقيقي يكمن في ألا يظلّ خطاب المحبّة حبيس زمن الأعياد، في حين يعود خطاب الكراهية ليطفو على السطح بعد انتهائها. فحين تُفرَّغ هذه القيم من مضمونها وتُختزل في مظاهر شكلية أو شعارات عابرة، تفقد الأعياد رسالتها العميقة. من هنا تبرز ضرورة تحويل خطاب المحبّة إلى ممارسة دائمة، وسلوك يومي يُواجه الكراهية في مختلف السياقات.

إن الأعياد تمنح المجتمعات فرصة ثمينة لاختيار الخطاب الذي يعبّر عن جوهرها الإنساني: إمّا خطاب محبّة يعزّز التفاهم والسلام، وإمّا خطاب كراهية يُعمّق الانقسام. والرهان الحقيقي هو في ترسيخ ثقافة المحبّة وجعلها أساس العلاقات الإنسانية، حتى تصبح الأعياد امتدادًا لقيم نعيشها كل يوم، لا استثناءً مؤقّتًا منها.

مدار الساعة ـ