أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

عيد الميلاد المجيد: درس سنوي في إنقاذ الإنسان


د. ناديا محمد نصير

عيد الميلاد المجيد: درس سنوي في إنقاذ الإنسان

مدار الساعة ـ

لا يأتي عيد الميلاد المجيد كل عام ليذكّرنا بحدثٍ مضى، بل ليوقظ فينا سؤالًا حيًّا:

ماذا تبقّى من الإنسان، حين يتعب العالم من نفسه؟

في زمنٍ تتسارع فيه الأخبار أكثر من قدرتنا على الاحتمال، وتعلو فيه أصوات الصراع على حساب المعنى، يطلّ عيد الميلاد المجيد كوقفة إنسانية نادرة، لا تُشبه ضجيج الأيام، ولا تخضع لمنطق القوة، بل تستند إلى فكرة بسيطة وعميقة: أن الإنسان يستحق الرحمة، والسلام، والاحتواء.

عيد الميلاد ليس طقسًا دينيًا فحسب، بل درس سنوي متجدد في إنقاذ الإنسان من القسوة، من الاعتياد على الألم، ومن تطبيع الخوف.

هو تذكير بأن النور لا يحتاج إلى استعراض كي يكون مؤثرًا، وأن البدايات المتواضعة قادرة على تغيير التاريخ حين تحمل معنى صادقًا.

من منظور نفسي، تمثّل الأعياد – وفي مقدمتها الميلاد المجيد – لحظات ترميم داخلي.

فالإنسان حين يتصل بقيم العطاء، والتسامح، والمغفرة، يعيد توازن جهازه النفسي، ويخفّف من ثقل التوترات المتراكمة، ويستعيد إحساسه بالأمان والانتماء. ليست المصادفة أن يشعر كثيرون بالحنين في هذا العيد؛ فالحنين هنا ليس ضعفًا، بل بحثًا فطريًا عن الطمأنينة في عالمٍ متقلّب.

عيد الميلاد يذكّرنا أن السلام ليس شعارًا مثاليًا، بل حاجة نفسية وإنسانية.

وأن المحبة، حين تُمارَس بوعي، تتحوّل إلى قوة قادرة على كسر دوائر العنف، وعلى حماية الإنسان من الانزلاق إلى القسوة أو اللامبالاة.

إلى إخوتنا المسيحيين،

أنتم شركاء في المعنى، وفي التاريخ، وفي هذا الوطن. أعيادكم ليست مناسبة خاصة بكم وحدكم، بل مساحة مشتركة للفرح الإنساني، وللأمل الذي نحتاجه جميعًا. في عيدكم، نؤكد أن التنوّع ليس تهديدًا، بل ثراء، وأن العيش المشترك ليس مجاملة اجتماعية، بل وعيٌ أخلاقي.

ويأتي عيد الميلاد هذا العام، كما في أعوام كثيرة، في عالمٍ مثقل بالأزمات، منهك بالحروب، ومتعب من الانقسام. وهنا، يصبح الاحتفال فعلًا أخلاقيًا بحد ذاته؛ ليس تجاهلًا للمعاناة، بل رفضًا للاستسلام لها.

أن نحتفل، يعني أن نصرّ على إنقاذ الإنسان من اليأس، وعلى الإيمان بأن المعنى ما زال ممكنًا.

عيد الميلاد المجيد يعلّمنا أن القيم الكبرى لا تموت، بل تُعاد قراءتها في كل زمن.

وأن الإنسانية، مهما تراجعت، قادرة على النهوض حين نمنحها فرصة.

في هذا العيد، لنجعل التهنئة موقفًا، لا عبارة.

لنحوّلها إلى سلوك يومي، إلى احترام، إلى لطف، إلى سلام يُمارَس لا يُؤجَّل.

كل عام والمسيحيون بخير،

وكل عام والإنسان أقرب إلى جوهره،

وكل عام ونحن نتعلّم – من الميلاد – كيف ننقذ إنسانيتنا قبل فوات الأوان.

مدار الساعة ـ