أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

لا خرائط جديدة.. بل مملكة أردنية هاشمية ثابتة


المحامي الدكتور يزن دخل الله حدادين

لا خرائط جديدة.. بل مملكة أردنية هاشمية ثابتة

مدار الساعة ـ

في كل مرة أسمع فيها من يلوّح بنظريات المؤامرة ويتحدث عن “أطماع” الأردن وعودة حكم هاشمي في العراق، أدرك كم ما زال البعض أسير قراءة سطحية للتاريخ، وعاجز عن فهم طبيعة الدولة الأردنية ونهج قيادتها. فأنا أرى، كما يرى كثيرون، أن مواقف جلالة الملك عبدالله الثاني لا تُبنى على أحلام توسّع ولا على أوهام نفوذ، بل على إدراك عميق لمعنى الدولة وحدود القوة ومخاطر العبث بتوازنات إقليم ملتهب. الملك لا يبحث عن أمجاد زائفة، ولا عن خرائط جديدة، بل عن استقرار يحمي الأردن أولاً، ويصون ما تبقى من عقل في هذا الشرق المتعب. ومن يعرف أسلوب جلالته في السياسة يدرك أن كل كلمة يقولها، وكل موقف يتخذه، هو حساب دقيق بين الممكن والواجب، وبين ما يُرضي العاطفة وما يحمي الدولة.

لم تكن مواقف جلالة الملك يومًا مغامِرة أو شعبوية، بل جاءت دائمًا محسوبة بدقة، تستند إلى قراءة عميقة لموازين القوى، وإلى فهم لطبيعة الصراعات في منطقة أنهكتها الحروب والانقسامات. فالأردن، بقيادته الهاشمية، لم يسعَ إلى تسجيل بطولات إعلامية، ولا إلى ركوب موجات عابرة، بل إلى حماية دولته ومجتمعه، وصون وحدته الوطنية، والحفاظ على موقعه كصوت اعتدال وعقل في إقليم يغلب عليه التوتر والاضطراب. وهذه المقاربة، التي قد يراها البعض حذرًا زائدًا، هي في حقيقتها تعبير عن مسؤولية تاريخية تجاه شعب ودولة في قلب العاصفة.

وفي القضايا العربية الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ظل موقف جلالة الملك ثابتًا لا يتزحزح، دفاعًا عن الحق، ورفضًا لكل مشاريع التصفية أو التهجير أو فرض الأمر الواقع. لم يكن هذا الموقف يومًا موضع مساومة، ولا مادة للمناورة، بل التزامًا أخلاقيًا وسياسيًا وتاريخيًا نابعًا من الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ومن إيمان راسخ بعدالة القضية وحق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة. ومع ذلك، فإن هذا الثبات لم يمنع الأردن من التحرك بعقل الدولة، والسعي لفتح مسارات واقعية تحفظ الحقوق وتمنع الانفجار الشامل، لأن الحكمة لا تعني التنازل، بل تعني إدارة الصراع بأدوات تحمي الهدف ولا تضيعه.

لقد اختار الأردن، بقيادة جلالته، أن يكون جسر تواصل لا ساحة صدام، وأن يكون عنصر استقرار لا وقود أزمة، وأن يحافظ على علاقاته المتوازنة مع مختلف الأطراف الدولية دون أن يفقد بوصلته الوطنية أو العربية. وهذا التوازن الصعب هو ما منح الأردن احترامًا دوليًا ودورًا يفوق حجمه الجغرافي والاقتصادي، لأنه مبني على مصداقية الموقف وثبات المبادئ. فالملك حين يتحدث، يُصغي له العالم، لا لأنه يرفع صوته، بل لأنه يطرح رؤية واقعية تنطلق من معاناة المنطقة وتجاربها القاسية.

أما الذين يحاولون تصوير المواقف الأردنية وكأنها ضعف أو تردد أو خضوع، فإنهم يتجاهلون حقيقة أساسية، وهي أن الدولة القوية ليست تلك التي تقفز في المجهول، بل التي تعرف كيف تحمي نفسها وشعبها وسط أعقد الظروف. فالأردن واجه خلال العقدين الأخيرين ضغوطًا اقتصادية خانقة، وتداعيات حروب على حدوده، وأزمات لجوء غير مسبوقة، ومع ذلك بقي متماسكًا، ثابتًا، آمنًا، بفضل قيادة تدرك أن الاستقرار ليس شعارًا، بل مشروعًا يوميًا يحتاج إلى قرارات صعبة ومواقف موزونة.

إن مواقف جلالة الملك المشرفة لا تنبع فقط من حسابات السياسة، بل من إحساس عميق بالمسؤولية تجاه شعبه، الذي يستحق دولة آمنة، مستقرة، تحمي كرامته وتوفر له الحد الأدنى من الأمل في مستقبل أفضل. ولذلك، فإن الدفاع عن هذه المواقف ليس دفاعًا عن شخص، بل عن نهج دولة، وعن فكرة الأردن القوي بعقله لا بضجيجه، بثباته لا بانفعاله، بحكمته لا بمغامراته.

أثبت الأردن أن امتلاك رؤية واضحة، وقيادة واعية، قادر على تحويل التحديات إلى فرص، وعلى إبقاء الدولة واقفة على قدميها مهما اشتدت العواصف. وهذا ما يجعل المواقف الملكية، مهما حاول البعض النيل منها، محل تقدير واحترام كل من ينظر إلى المشهد بعين الإنصاف والعقل.

ختامًا، فإن التاريخ لن يكتب للأردن أنه كان الأعلى صوتًا، بل أنه كان الأثبت موقفًا، والأكثر اتزانًا، والأشد حرصًا على مصلحة شعبه وأمته. وستبقى مواقف جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين شاهدًا على أن في هذا الإقليم المضطرب ما زالت هناك دولة تقودها الحكمة، ويقودها ملك يعرف أن الشرف في السياسة هو أن تقول ما يجب، في الوقت الذي يجب، وبالقدر الذي يحمي الوطن ويصون كرامته.

مدار الساعة ـ