أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جاهات واعراس جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

القشي تكتب: بين سيف الغرامات وغياب الحلول.. 300 ألف مركبة خارج الترخيص


المحامية مرام القشي
ماجستير قانون جنائي

القشي تكتب: بين سيف الغرامات وغياب الحلول.. 300 ألف مركبة خارج الترخيص

المحامية مرام القشي
المحامية مرام القشي
ماجستير قانون جنائي
مدار الساعة ـ

تشهد الساحة الأردنية في الآونة الأخيرة نقاشًا واسعًا ومتزايدًا حول أزمة تراخيص المركبات، في ظل وصول عدد المركبات المنتهية الترخيص إلى ما يقارب 300 ألف مركبة، وهو رقم لم يعد يمكن التعامل معه بوصفه حالة فردية أو خللًا عابرًا، بل أصبح مؤشرًا واضحًا على أزمة تشريعية–اقتصادية ذات أبعاد اجتماعية عميقة.

لقد نظم قانون السير الأردني مسألة ترخيص المركبات باعتبارها إجراءً إلزاميًا يهدف إلى تعزيز السلامة المرورية وضمان أهلية المركبات للسير على الطرق العامة، وربط المشرّع هذا الالتزام بفرض غرامات مالية في حال التخلف عن التجديد ضمن المدة القانونية.

غير أن التطبيق العملي لهذه النصوص، وفي ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، أفرز واقعًا مغايرًا للغايات التي شرّع القانون من أجلها.

فبدل أن تشكل الغرامات المرورية وسيلة ردع وتنظيم، تحولت في كثير من الحالات إلى عبء مالي متراكم يمنع المواطن من إعادة ترخيص مركبته، لا سيما مع تراكم الغرامات عن سنوات سابقة، ما يدخل المواطن في حلقة مفرغة تبدأ بانتهاء الترخيص ولا تنتهي عند حدود العجز عن التسديد.

ولا يمكن قراءة هذه الظاهرة بمعزل عن الواقع الاقتصادي، حيث يعاني عدد كبير من المواطنين من ارتفاع كلف المعيشة وتراجع الدخل، فضلًا عن اعتماد شريحة واسعة على المركبة كمصدر رزق أساسي، كالسائقين والعاملين في قطاعات النقل والخدمات.

وعليه، فإن وجود هذا العدد الكبير من المركبات خارج الترخيص لا يعكس بالضرورة ضعف الالتزام بالقانون، بقدر ما يعكس عجزًا فعليًا عن الامتثال له.

ومن الزاوية الدستورية، تبرز تساؤلات جوهرية حول مدى انسجام هذا الواقع مع المبادئ التي كفلها الدستور الأردني.

فالمادة (6) من الدستور تنص صراحة على أن «الأردنيين أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات»، وهو مبدأ لا يقتصر على المساواة الشكلية، بل يمتد إلى تحقيق العدالة الفعلية في التطبيق، بما يراعي الفوارق الاقتصادية والقدرة الواقعية على الالتزام.

كما أن المادة (111) من الدستور، التي اشترطت أن تكون التكاليف المالية عادلة ومتناسبة، تشكّل أساسًا دستوريًا مهمًا يمكن القياس عليه عند فرض الغرامات، بحيث لا تتحول إلى أداة إنهاك مالي تمس كرامة المواطن وحقه في العيش الكريم، ولا تؤدي عمليًا إلى إقصائه عن الالتزام بالقانون.

إن استمرار هذا الوضع، دون حلول تشريعية واقعية، يفرز آثارًا سلبية متعددة، أبرزها:

توسع ظاهرة المركبات غير المرخصة.

زيادة المخاطر المرورية.

تعميق الفجوة بين المواطن والنص القانوني.

إضعاف الثقة بجدوى الالتزام، وهو ما ينعكس سلبًا على هيبة القانون ذاتها.

ومن هنا، يبرز العفو العام عن المخالفات المرورية وغرامات انتهاء الترخيص بوصفه حلًا تشريعيًا استثنائيًا تفرضه ظروف استثنائية.

فالعفو العام ليس خروجًا على مبدأ سيادة القانون، بل هو أداة دستورية مشروعة تهدف إلى إعادة التوازن بين النص والواقع، وتحقيق المصلحة العامة عندما تتعطل الغاية من العقوبة.

كما أن إصدار عفو مروري شامل من شأنه أن يحقق جملة من الأهداف المتوازنة، أبرزها:

تمكين المواطنين من إعادة ترخيص مركباتهم.

إعادة مئات الآلاف من المركبات إلى الإطار القانوني.

تعزيز السلامة المرورية بدل بقائها خارج الرقابة.

رفد خزينة الدولة برسوم الترخيص بدل تعطيلها.

وعليه، فإن الدعوة إلى العفو المروري اليوم لا تنطلق من منطق التهاون مع المخالفات، بل من منطق دستوري وقانوني واقعي يهدف إلى إنقاذ منظومة الترخيص من الاختناق، وإعادة الاعتبار لوظيفة القانون بوصفه أداة تنظيم لا وسيلة إنهاك.

فالقانون، كما أراده الدستور، يجب أن يكون قابلًا للتطبيق، عادلًا في آثاره، ومتوازنًا بين الردع والرحمة، حفاظًا على كرامة المواطن وهيبة الدولة في آن واحد.

وأمام هذا الواقع المتفاقم، فإن المسؤولية الدستورية والأخلاقية تقتضي من الحكومة الأردنية التحرك العاجل لمعالجة أزمة المركبات منتهية الترخيص، بوصفها أزمة عامة تمس مئات الآلاف من المواطنين، ولا يمكن الاستمرار في التعامل معها بمنطق الجزاءات التقليدية التي أثبتت عدم جدواها.

إن استمرار فرض الغرامات المتراكمة دون تقديم حلول واقعية لا يحقق الردع، ولا يعزز السلامة المرورية، بل يفاقم حالة العجز القانوني، ويُبقي أعدادًا كبيرة من المركبات خارج الإطار التنظيمي، في تعارض واضح مع المصلحة العامة وروح الدستور.

وعليه، فإننا نناشد الحكومة، استنادًا إلى المبادئ الدستورية التي كرّست العدالة والتناسب والمساواة، الإسراع في إصدار قانون عفو عام عن المخالفات المرورية وغرامات انتهاء الترخيص، أو اعتماد معالجات تشريعية عادلة ومرنة تمكّن المواطنين من تصويب أوضاعهم القانونية دون أعباء تعجيزية.

فهيبة الدولة لا تُبنى بتراكم الغرامات، بل بتشريع عادل قابل للتطبيق، يعيد الثقة بين المواطن والمؤسسات، ويوازن بين سيادة القانون ومتطلبات العدالة الاجتماعية، في مرحلة أحوج ما نكون فيها إلى حلول شجاعة ومسؤولة تعيد النظام إلى الطرق، والطمأنينة إلى الشارع الأردني.

مدار الساعة ـ