في العرف الدبلوماسي الحديث لم تعد وظيفة السفير خاصة بالفدرالية الأمريكية محصورة في المكاتب المغلقة أو خلف أروقة الوزارات بل أصبحت دبلوماسية الاتصال المباشر هي المعيار الحقيقي لنجاح السفير المهني.
ما يقوم به السفير الأمريكي جيمس هولتسنيدر في الأردن من زيارات لمسؤولين سابقين وحاليين وشيوخ عشائر وتقديم واجب العزاء في بيوت الأردنيين لا ينبغي أن يُقرأ إلا في سياقه الصحيح كفعل احترام وتقدير عميق لخصوصية الدولة الأردنية وركائزها الاجتماعية.وعندما يخرج السفير من عزلة السفارة ليشارك الأردنيين مناسباتهم الاجتماعية ويشجمع منتخبهم الوطني ويلبس الشماغ وهو من رمزيات الوطن فهو يمارس أسمى درجات المهنية الدبلوماسية، فالسفير الذي أمضى أكثر من عشرين عاماً في الخدمة يدرك تماماً أن العشيرة في الأردن ليست مجرد مكون اجتماعي بل هي ركيزة أساسية من ركائز استقرار الدولة وهويتها، ومن هنا فإن زيارة السفير لديوان عشائري أو تقديم واجب العزاء هو اعتراف صريح بأن قرارات واشنطن تجاه الأردن لا تُبنى على تقارير جافة بل على فهم حقيقي لروح الشعب الأردني وقيمه.ومن الخطأ الفادح تصوير هذه التحركات على أنها رقابة أو تدخل، فالسفير بصفته ممثلاً للرئيس يسعى لنقل الثقافة الأمريكية التي تؤمن بالانفتاح وفي الوقت ذاته يظهر التواضع الدبلوماسي عبر تشربه للعادات الأردنية الأصيلة ، وحين يجلس السفير في بيت شعر او يتمركى بشماغ مهدب امام البترا فهو يرسل رسالة لبلاده وللعالم بأن الأردن بلد آمن ومستقر ومبني على قيم التراحم والتواصل، وهذا السلوك يخدم المصالح الأردنية مباشرة كونه يسوّق للأردن كبيئة اجتماعية حاضنة ومتفتحة مما يعزز الثقة السياسية والاقتصادية.كما أن تقديم واجب العزاء الذي يُعد من أقدس العادات الاجتماعية في الأردن يعكس لغة إنسانية عابرة للسياسة، فعندما يقوم السفير بهذه الخطوة فإنه يتحدث اللغة التي يفهمها الأردنيون ويقدرونها، وهو تعبير عن أن العلاقة بين الولايات المتحدة والأردن ليست مجرد توقيع اتفاقيات بل هي علاقة بين شعوب تتقاسم اللحظات الإنسانية في الحزن والفرح، والسفير بصفته مهنياً وهو مسمى بالخارجية الأمريكية عكسه سفير سياسي يعلم أن كسب قلوب الناس وممثلي المجتمع المحلي هو الطريق الأقصر لتعزيز التعاون المشترك.فالسيادة الوطنية لا تتهدد بزيارة سفير لبيت أردني بل تترسخ عندما يرى العالم أن ممثلي القوى العظمى يخطبون ود المجتمع المحلي ويحترمون تقاليده، وتحركات السفير هي شهادة حسن سير وسلوك للمناخ الديمقراطي والاجتماعي في الأردن وتؤكد أنه بلد منفتح وواثق من نفسه ولا يخشى الحوار أو التواصل مع الحلفاء على كافة المستويات . الدفاع عن تحركات السفير الأمريكي في هذا الإطار هو دفاع عن العلاقة الاستراتيجية التي تخدم الأردن، فالسفير المهني هو من يغادر كرسيه ليسمع من الناس ويشعر بمصابهم ويحترم كبارهم، وهذه التحركات هي جسر ثقافي ضروري لنقل الصورة الحقيقية للأردن إلى واشنطن وهي في جوهرها واجبات دبلوماسية رفيعة المستوى تهدف إلى تمتين أواصر الصداقة بين الدولتين بعيداً عن الجمود البيروقراطي.العمرو يكتب: الدبلوماسية الميدانية.. لماذا تُعد زيارات السفير الأمريكي للشيوخ والعشائر تقديراً لسيادة الأردن ونسيجه الاجتماعي؟
م. فادي العمرو
العمرو يكتب: الدبلوماسية الميدانية.. لماذا تُعد زيارات السفير الأمريكي للشيوخ والعشائر تقديراً لسيادة الأردن ونسيجه الاجتماعي؟
مدار الساعة ـ
