أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الزيود تكتب: العام يطوي صفحته… ونحن نعيد قراءة أنفسنا


د.سميرة الزيود
مستشارة تربوية وأسرية :: استاذ مساعد/جامعة فيلادلفيا

الزيود تكتب: العام يطوي صفحته… ونحن نعيد قراءة أنفسنا

د.سميرة الزيود
د.سميرة الزيود
مستشارة تربوية وأسرية :: استاذ مساعد/جامعة فيلادلفيا
مدار الساعة ـ

في الأيام الأخيرة من العام، لا نعدّ الساعات والأيام فحسب… بل نشعر بالزمن..

نشعر بثقله حين يهدأ كل شيء فجأة، وبخفته حين نسمح لأنفسنا أخيراً أن نتنفّس من جديد ..

وكأن القلب، في هذه اللحظات، يطلب مساحة صغيرة ليجلس بهدوء، ويعيد ترتيب ما بعثره الركض الطويل طوال العام... !!

نهاية العام ليست احتفالاً صاخباً كما تبدو، بل لحظة مراجعة صافية؛ لحظة تأمل ناعمة نفتح فيها أدراج الذاكرة واحداً واحداً...

نمرّ على أسماء أحببناها، وأماكن تركت أثراً في نفوسنا، وقرارات اتخذناها ونحن خائفون، لكنها حملت في طياتها الشجاعة بصورتها الأكثر هدوءا وحزماً وصدقاً..

من منظور نفسي، تمثّل هذه الفترة ذروة ما يُعرف بـ "المراجعة الذاتية القسرية "، حيث يفرض العقل — دون استئذان — أسئلة عميقة:

هل كنا لطفاء مع أنفسنا؟

هل اخترنا ما يشبهنا، أم ما أُجبرنا عليه؟

وهل ما نعيشه هو ما نريده فعلًا، أم ما اعتدناه فقط؟

هذه المرحلة تشبه الاعتراف الصامت، نعترف لما أرهقنا وخذلنا، لما لم ننجح فيه، ولما حاولنا أكثر مما يُحتمل.. ليس الغرض لوم الذات، بل احتواؤها وفهمها ، فهناك أشياء لم نخسرها لأننا ضعفاء، بل لأن قلوبنا كانت صادقة وأصيلة أكثر من اللازم.

أما من ناحية تربوية، فنهاية العام فرصة نادرة لإعادة تعريف النجاح، خاصة داخل الأسرة، فالأبناء لا يتعلمون من الخطب ولا من التوجيهات المباشرة، بل من الطريقة التي نُراجع بها حياتنا أمامهم، حين يرون غيرهم يعترفون بالتقصير، ويحتفون بالمحاولة، ويتعاملون مع الفشل كخبرة لا كوصمة، فإننا نزرع فيهم وعياً صحياً يتجاوز حدود العام الواحد.

وأسرياً تكشف نهاية العام هشاشة العلاقات التي أُهملت تحت ضغط الحياة، كثير من البيوت تصل إلى هذه المرحلة وهي مثقلة بصمت طويل، وسوء فهم مؤجّل، ومشاعر لم تجد طريقها للكلام، هنا لا تكون بداية عام جديد حقيقية إلا إذا سبقتها مصالحة إنسانية داخل الأسرة: إصغاء صادق، واعتراف متبادل بالتعب، وإعادة ترتيب للأولويات قبل إعادة ترتيب الأهداف.

لنتعلم درساً أكبر من أي منهج: أن الرحمة بالنفس أساس الاتزان، وأن الصدق مع الذات أهم من أي إنجاز..

وبدوري كمستشارة نفسية وأسرية، أرى أن نهاية العام فرصة لا تُعوّض لإعادة ترتيب الأولويات، ومساءلة الذات برفق، ومراجعة ما نمنحه لمن حولنا ولأنفسنا ، هذه الفترة دعوة لمساءلة المشاعر، لإعادة النظر في علاقاتنا، وإدراك ما يحتاج إلى التغيير، وما يستحق الاحتفاظ به، ومن نزهد بهم ففي "التخلي تجلّي" أيضاً.

فالوعي بالنفس لا يأتي من كثرة الحديث، بل من الصمت الذي نمنحه لأنفسنا لنسمع حقيقتنا.

ولو سلطنا الضوء على الناحية الاجتماعية، فإنها تشتد المقارنات في هذا الوقت من العام، لكن من يعي قيمته يعلم أن كل شخص ينضج وفق وتيرته الخاصة، ليس كل تأخر خسارة، وليس كل صمت ضعفا؛وربما القطار الذي شعرنا أننا فشلنا في اللحاق به لم يكن سوى فرصة لنقلع بطائرة بدلاً منه ، حيث وجهتنا الصحيحة وتوقيت أسرع وأكثر ملاءمة لنا، بعون الله وتوفيقه.

فلسفياً،، نهاية العام ليست مجرد تحول في التقويم، بل مرحلة انتقالية بين ما كنّا عليه وما نصبح عليه، لسنا مضطرين لغلق الأبواب بعنف، ولا لبدء كل شيء من الصفر ،يكفي أن نختار أنفسنا أكثر قليلًا، أن نخفف الأعباء، وأن نسمح للعام الجديد أن يجدنا أصدق… لا أقوى فقط.

حين يطوي العام صفحته،

نُعيد قراءة أنفسنا لا بعين القاضي،بل بعين واعية تعرف ما حاولت،وكم تستحق أن تكمل الطريق بخفّة قلب، وتصالح مع الذات

ونثق أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، كما قال تعالى:

"فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ"

نغلق العام ونحن واثقون أن كل تجربة، وكل نجاح، وكل تعب صامت، سيُثمر في زمانه ومكانه الذي اختاره الله لنا، وأن رحلتنا مستمرة بروح أكثر وعياً وصفاءً وهدوءًا.

وكل عام وأنتم جميعاً بألف خير

مدار الساعة ـ