أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

المشاقبة يكتب: ما بين الخطاب الرسمي والسردية المجتمعية في الأردن


صدام المشاقبة

المشاقبة يكتب: ما بين الخطاب الرسمي والسردية المجتمعية في الأردن

مدار الساعة ـ

في النقاشات العامة مؤخراً في الأردن، يتكرر كثيراً استخدام مصطلحا السردية الوطنية والخطاب الوطني بوصفهما مترادفين، رغم أن بينهما اختلافات جوهرية في الماهية والدور والتأثير.

فالخطاب الوطني غالبا ما يكون نتاجا سياسيا أو إعلاميا، يصاغ في ظرف سياسي معين ليؤدي وظيفة محددة، بينما السردية الوطنية أعمق وأكثر رسوخا، إذ تتشكل عبر الزمن، وتتراكم من التجارب التاريخية، والوقائع، والذاكرة الجمعية، لتصبح جزءًا من وعي المجتمع وهويته وانتمائه.

والخطاب الوطني هو فعل سياسي لغوي، تصوغه الدولة أو النخب السياسية والثقافية، ويهدف إلى توجيه الرأي العام أو تعزيز موقف أو ترسيخ قيمة في سياق سياسي أو اجتماعي محدد. وهو بطبيعته متغير، يتبدل بتبدل الظروف والتحديات، وقد يكون تعبويا أو دفاعيا او حتى تبريريا.

اما السردية الوطنية، فهي ليست خطابا يلقى على الجماهير، بل قصة تعاش. يمكن وصفها بانها البنية الثقافية التي تتشكل من تفاعل المجتمع مع تاريخه، من الانتصارات والإخفاقات، من التحولات الكبرى، في الحالة الأردنية يمكن الانطلاق من الثورة العربية الكبرى، مرورا بالتحولات التي شهدها الواقع السياسي الأردني المتأثر بما يحدث في فلسطين، انتهاءا بالفهم التي تكون لدى الأجيال الجديدة عن تجربتها وانتمائها المتاثرة بالتفاصيل اليومية التي تصنع الإحساس بالهوية الوطنية.

تتكون السردية -في السياق الأردني - من تراكمات ممتدة: بناء الدولة، استيعاب التنوع الاجتماعي، مواجهة الأزمات، التكيف مع الصراعات الإقليمية والعربية، والعمل اليومي الصامت لمجتمع يسعى إلى الاستقرار والكرامة. هذه السردية لا تفرض من الأعلى، بل تكتب من الأسفل (من الذاكرة الشعبية).

يمكن القول إن السردية، حين تكون متجذرة في الوقائع التاريخية، تتحول إلى خطاب مجتمعي جامع، لكنها تختلف عن الخطاب التقليدي في بنيتها ووظيفتها. فهي لا تقدم بوصفها حقيقة جاهزة، بل بوصفها معنى مشتركًا يتوافق عليه الناس ضمنيا -باشراف ومباركة النخب السياسية-.

عندما ينفصل الخطاب الوطني عن السردية المجتمعية، يصبح هشا وضعيف الأثر، وربما يقابل بالتشكيك أو اللامبالاة. أما حين ينبثق الخطاب من السردية، ويستند إلى وقائعها وتراكماتها، فإنه يكتسب شرعية تلقائية، ويغدو أقرب إلى الناس وأكثر قدرة على التأثير.

إن التحدي الحقيقي في الأردن اليوم لا يكمن في إنتاج المزيد من الخطابات الوطنية، بل في إعادة صياغة السردية الوطنية الحديثة بما يتناسب مع فهم جيل زد للهوية الوطنية، فالسردية ليست نصا مغلقا، بل عملية مستمرة من التشكل، وكل محاولة لبنائها أو تحديثها دون الاعتراف بتاريخها ووقائعها ستبقى ناقصة. وحدها السردية الصادقة، المتصالحة مع الذاكرة والواقع، قادرة على أن تكون أساسًا لخطاب وطني متين، ومستقبل مشترك أكثر تماسكا، ليبقى التحدي الأكبر يتمثل بضعف او غياب النخب السياسية والثقافية الوطنية التي تشرف وتبارك و تروي سرديتنا

مدار الساعة ـ