أما بعد… يا فالح حسون الدراجي،

فقد بلغ قولك مبلغًا لا يُغتفر، لا لأنك أخطأت رأيًا، بل لأنك أهنت صناعة القول نفسها. خرجتَ إلى الناس بلسانٍ منفلت، تزعم العقل وتأتي بضدّه، وتدّعي القيم وتذبحها في أول سطر. فكان مقالك فضيحة نَظْم، وعارَ معنى، وشهادةً عليك لا لك.

أما والله، لقد رأيناك تُكثر حيث يجب الإيجاز، وتُشدّد حيث يجب البرهان، وتستطيل بالنعوت لأن المعنى خانك. ولو كان في فكرك شيءٌ يُستدلّ به، لما احتجتَ إلى هذا السيل من الإهانة. ولكنها عادةُ من أفلس؛ إذا ضاق بالحُجّة اتّسع بالسباب، وإذا عجز عن التفريق لجأ إلى التعميم.

يا فالح حسون الدراجي، اعلم أن الأردن، بقيادته وشعبه وتاريخه، أكبر منك ومن لغتك ومن مقالك؛ أكبر مقامًا، وأثبت عقلًا، وأرسخ أخلاقًا. وطنٌ لا تُنقصه نوبةُ سباب، ولا تهزّه جملةٌ مسيئة، ولا يبلغه قلمٌ اختار الانحدار طريقًا. من رام مقارعة الأوطان بلسانٍ منفلت، سقط قبل أن يلمس ظلّها.

ويُقال إنك شاعر؛ فإن صحّ القول فالشعر منك بريء، وما تكتبه نثرٌ مُهان تزيّا بالقافية ليستر إفلاسه، فاتخذ من الإساءة معنى، ومن الحقد أسلوبًا، فأسأتَ إلى الشعر قبل أن تُسيء إلى الناس.

أما لغتك، فقد قامت عليك قيام القاضي: تراكيب متكسّرة، ومعانٍ متداعية، وتكرار يدلّ على فقر المعجم لا قوّة التوكيد. تُلقي الجمل إلقاءَ من لا يعرف لمقام القول قدرًا، وتكدّس الصفات تكديسَ من يستر إفلاسه بالصراخ. واللغة إذا فُسدت فضحت صاحبها، لا من هوجم بها.

ثم اتخذتَ المعاني الكبار ستارًا، والقضايا العظام مطيّة، تلوّح بها حين تعجز، وتستتر بها حين تُفتضح. أما والله، إن المعاني لتتبرّأ ممن يُدنّسها بهذا الاستعمال، وإن القيم لتفرّ ممن يقبضها بغير حق.

فلا تحسب، يا فالح حسون الدراجي، أن رفع الصوت رأي، ولا أن التعميم حُجّة، ولا أن الإهانة بطولة. فإن القلم إذا جار قصم هيبة صاحبه قبل غيره، وإن الكلمة إذا خرجت بلا ميزان عادت وبالًا على قائلها.

هذا قولي فيك وفي قولك؛ قولٌ قاطع لا مداراة فيه، يكشف أن ما عندك لوثةٌ بلا عقل، ولغةٌ بلا صناعة، وأسلوبٌ لا يعرف من البيان إلا اسمه. ومن اختار هذا الطريق، فقد اختار أن يُعرَف به. أيها الضائع في مدارج اللغة.