مدار الساعة - حذّرت ورقة سياسات أصدرها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية بعنوان "نحو ضمان اجتماعي عادل ومستدام في الأردن" من أن منظومة الضمان الاجتماعي، رغم كونها "آمنة على المدى المتوسط" وفق نتائج الدراسة الاكتوارية الحادية عشرة للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، تواجه اختلالات هيكلية متراكمة قد تُقوّض استدامتها على المدى الطويل إذا لم تُعالج بإصلاحات تشريعية وسياساتية متوازنة.
وترى الورقة أن ما ورد في نتائج الدراسة الاكتوارية الأخيرة لا ينبغي التعامل معه بوصفه "مفاجأة"، إذ إن عدداً من الخبراء والمختصين الأردنيين ومؤسسات بحثية اردنية، كانوا قد حذّروا منذ سنوات من تداعيات التوسع في التقاعد المبكر، واتساع فجوة الشمول التأميني، وضعف الحوكمة، والتعديلات الي جرت على القانون مؤخرا، باعتبارها عوامل تراكمية تُضعف استدامة الصندوق على المدى الطويل.وتضع الورقة فجوة الشمول التأميني في صدارة التحديات، مشيرة إلى أن عدد المؤمن عليهم بلغ حتى نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2025 نحو 1.66 مليون مقابل تقديرات تُقارب 3 ملايين عامل في سوق العمل، مع وجود قرابة 265 ألف متقاعد فعّال. ووفق هذه الأرقام، فإن نحو 45 بالمئة من القوى العاملة لا تزال خارج مظلة الضمان، أي ما يقارب 1.3 مليون عامل دون الحد الأدنى من الحماية ضد مخاطر الشيخوخة والعجز والوفاة وفقدان الدخل.وتعتبر الورقة أن هذه الفجوة اختلال بنيوي في تصميم منظومة الضمان الاجتماعي القائمة الذي يفترض علاقة عمل تقليدية (عامل/صاحب عمل/مؤسسة منظمة) وبين واقع يتوسع فيه الاقتصاد غير المنظم والعمل المرن والعمل عبر المنصات الرقمية والمهن الحرة. وتلفت إلى أن الاشتراك الاختياري بصيغته الحالية مرتفع التكلفة إذ يفرض على العامل دفع 17 بالمئة من دخله، ما يحوّله في كثير من الحالات إلى عبء لا أداة إدماج، خاصة مع تدني الدخل وارتفاع كلفة المعيشة.التحذير الأبرز في ورقة السياسات يتعلق بالتقاعد المبكر، الذي بات وفق توصيف الجميع "القاعدة بدل الاستثناء". إذ تُظهر بيانات الضمان أن المتقاعدين مبكرا يشكلون نحو 64 بالمئة من إجمالي المتقاعدين، ويستحوذون على نحو 61 بالمئة من فاتورة الرواتب التقاعدية. وتقول الورقة إن هذا الواقع يخل مباشرة بمعادلة "مدة الاشتراك مقابل مدة الاستفادة" ويُوسّع فجوة التمويل بين الإيرادات والنفقات.وتحمّل الورقة الحكومة مسؤولية محورية في تغذية هذا المسار عبر استخدامها المتكرر للتقاعد المبكر كأداة لإعادة الهيكلة أو معالجة فائض وظيفي، ما يعني "ترحيل" كلفة القرار الإداري من الموازنة العامة إلى صندوق الضمان الاجتماعي. وتستشهد بأن ما يقارب 60 بالمئة من المتقاعدين مبكرا في عام 2023 كانوا من القطاع العام.في المقابل، ترى الورقة أن دوافع التقاعد المبكر في القطاع الخاص تختلف؛ إذ ترتبط غالبا بانخفاض الأجور. فوفق التقرير السنوي للضمان لعام 2024، فإن 54 بالمئة من المشتركين يتقاضون 500 دينار فأقل، و72 بالمئة يتقاضون 600 دينار فأقل. وهذا يدفع كثيرين، بحسب الورقة، للتقاعد المبكر بهدف الحصول على راتب تقاعدي ثم العودة إلى سوق العمل لتأمين دخل إضافي، ما يفاقم حلقة الهشاشة والتهرب ويضغط على قاعدة الاشتراكات. وتطالب الورقة بأن لا يزيد سن التقاعد المبكر عن سن تقاعد الشيخوخة بخمس سنوات بحد أدنى 300 اشتراك فعلي. مع ضرورة إعادة النظر بمستويات الأجور باتجاه رفعها ليصبح الاستمرار في العمل مجد اقتصاديات واجتماعيا.وتناقش الورقة كذلك أثر الإبقاء على سن تقاعد الشيخوخة عند 60 عاما للرجال و 55 عاما للنساء، معتبرة أنه لم يعد منسجما مع التحولات الديموغرافية في الأردن. وتشير إلى أن متوسط العمر المتوقع في الأردن يبلغ نحو 77 عاما للإناث و 74 عامًا للذكور، ما يعني اتساع سنوات الحياة بعد التقاعد. وتقارن الورقة بالممارسات الدولية، حيث يبلغ متوسط سن التقاعد القانوني في عشرات الدول 64.4 للرجال و 63.6 للنساء مع اتجاه متزايد لرفعه إلى 66 أو 67 ، معتبرة أن الرفع التدريجي لسن تقاعد الشيخوخة في الأردن على المشتركين الجدد، يمكن أن يعزز الاستدامة إذا ترافق مع سياسات سوق عمل وأجور داعمة واستثناءات منضبطة للمهن الشاقة.وفي محور التهرب التأميني، تشير الورقة إلى أن نسبة التهرب حسب ارقام الضمان الاجتماعي في منشآت الأعمال المنظمة تبلغ 22.8 بالمئة، وأن نحو 59 بالمئة من العاملين في القطاع الخاص غير مشتركين، داعية إلى تحديث الرقابة عبر أدوات رقمية وربط قواعد البيانات ورفع كلفة عدم الامتثال.أما في الحوكمة، فتؤكد الورقة أن استقلالية الضمان عن القرارات والهيكلية الإدارية الحكومية، لا تعني حماية الاستثمار فقط، بل تحصين القرار التأميني الاستراتيجي عبر حوكمة مستقلة.وتقترح الورقة كذلك حزمة إصلاحات شاملة تمثلت في 33 توصية سياساتية. وتختم الورقة بالدعوة إلى دور تكميلي للموازنة العامة لدعم اشتراكات الفئات الهشة ضمن الضمان، بما يخفف الاعتماد المزمن على المعونات النقدية، ويحوّل الحماية من "استجابة علاجية" إلى "وقاية اجتماعية" أكثر استدامة.مركز الفينيق يحذر ويدعو لإصلاح شامل لمنظومة الضمان الاجتماعي
مدار الساعة ـ











