أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جاهات واعراس جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

رقابة المواصفات والمقاييس


سلامة الدرعاوي

رقابة المواصفات والمقاييس

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ

بعد سلسلة الوفيات المؤلمة التي شهدها الأردن مؤخرًا بسبب استخدام مدافئ غاز غير آمنة، يصبح السؤال مشروعًا وملحًا: أين رقابة مؤسسة المواصفات والمقاييس، وأين تقف بقية الجهات الرقابية، وكيف يمكن حماية المجتمع من البضائع الرديئة عندما يتحول الإهمال أو التقصير إلى خطر مباشر على حياة المواطنين؟

وهذه الحوادث هي إنذار واضح بوجود خلل أعمق في منظومة الرقابة على السلع المتداولة في السوق، وخصوصًا تلك التي تمس السلامة العامة.

المشكلة لا تقتصر على المدافئ لكن تمتد آثارها إلى بضائع ذات جودة منخفضة في السوق المحلي، في قطاعات مختلفة، دون أن يكون المواطن قادرًا على تحديد الجهة المسؤولة عن ضبطها.

ولكن السؤال، هل المسؤولية تقع على مؤسسة المواصفات والمقاييس، أم على وزارة الصناعة والتجارة، أم على منظومة رقابية متكاملة يفترض أن تعمل بتنسيق واضح؟ مقارنة بسيطة مع أسواق دول أخرى تكشف أن ما يُعرض للمواطن هناك غالبًا ما يكون ضمن مستوى متوسط إلى جيد من الجودة، بينما باتت الأسواق المحلية تنتشر فيها منتجات رخيصة الثمن، منخفضة الكفاءة، وغالبًا بلا ضمانات حقيقية.

وعندما يتعلق الأمر بمنتج يمس حياة الإنسان مباشرة، كأدوات التدفئة، فإن معيار الرقابة يجب أن يكون أعلى بكثير من أي سلعة أخرى، واللافت أن هذه المدفأة لا تحمل أي إشارة واضحة أو ملصق رسمي يجيز استخدامها داخليًا من جهة رقابية مختصة بالسلامة العامة، رغم أن الخطر المرتبط بها معروف علميًا وهندسيًا.

تقرير الجمعية العلمية الملكية، الذي أكد أن سبب الوفيات هو غاز أول أكسيد الكربون الناتج عن احتراق غير كامل، يضعنا أمام حقيقة صادمة: هذه المدافئ لم تُصمم أصلًا للاستخدام الداخلي، وبعضها في الأساس أدوات طهي مخصصة للاستخدام الخارجي، جرى تعديل شكلها فقط وتسويقها كمدافئ منزلية.

تصميم المدفأة يجب أن يراعي كميات الغاز، وآليات الاحتراق الكامل، ووسائل الحماية، وعلى رأسها حساسات الأكسجين التي تطفئ الجهاز تلقائيًا عند انخفاض مستوى الأكسجين في الغرفة، وغياب هذه الحساسات، وغياب الحد الأدنى من متطلبات السلامة العامة، حوّل هذه الأجهزة إلى قنابل صامتة داخل البيوت.

وهنا، فإن الاعتماد على "وعي المواطن" وحده، في ظل منتجات رخيصة الثمن ومضللة في بياناتها، هو هروب من المسؤولية، لأن حماية المستهلك مسؤولية الدولة قبل أن تكون خيارًا فرديًا.

القانون، في جوهره، قانون احترازي، وُجد لمنع وقوع الكارثة لا لمعالجة آثارها بعد حدوثها، ودور مؤسسة المواصفات والمقاييس لا يقتصر على تسجيل المنتجات، لكن يمتد إلى الرقابة المسبقة واللاحقة، وضمان وضوح البيانات، وعدم تضليل المستهلك، ومصادرة وإتلاف أي منتج مخالف.

اليوم، ومع وجود القضية أمام القضاء، تبقى الأسئلة قائمة: من سمح بدخول هذه المنتجات منذ سنوات؟ ومن أجاز تداولها؟ وهل ستبقى العقوبات محدودة، أم سنشهد تغليظًا حقيقيًا للرقابة وتطبيقًا صارمًا للقانون؟

حماية المجتمع من البضائع الرديئة واجب أخلاقي وقانوني، وأي تهاون فيه يدفع ثمنه المواطن من حياته، وهو ثمن لا يجوز القبول به تحت أي ذريعة.

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ