أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الزعبي يكتب: ما بعد الحصار.. سوريا تعود إلى الجغرافيا.. فهل تعود الأردن إلى الفرصة؟


محمد علي الزعبي

الزعبي يكتب: ما بعد الحصار.. سوريا تعود إلى الجغرافيا.. فهل تعود الأردن إلى الفرصة؟

مدار الساعة ـ

لم يكن رفع الحصار عن سوريا، وإلغاء العمل بقانون «قيصر»، مجرد إجراء قانوني أو قرار سياسي معزول عن سياقه، بل هو إعلان عملي عن نهاية مرحلة كاملة من إدارة الصراع بالضغط الاقتصادي، وبداية مرحلة جديدة تُعاد فيها صياغة الجغرافيا السياسية للمنطقة بمنطق المصالح لا العقوبات، فالدول لا تُدار إلى الأبد بمنطق الحصار، والاقتصادات لا تُبنى على الفراغ، وما حدث هو اعتراف ضمني بأن استمرار العزل لم يعد منتجًا، وأن إعادة الدمج ، ولو بحذر ، أصبحت خيارًا لا مفر منه.

سوريا، بهذا التحول، لا تعود كما كانت، لكنها تعود إلى الخريطة، إلى طرق التجارة، إلى خطوط النقل، إلى سوق الخدمات، وإلى معادلة الإقليم بوصفها دولة تبحث عن إعادة ترميم اقتصادها قبل أي شيء آخر، وهنا تحديدًا يقف الأردن أمام سؤال الفرصة لا المجاملة، وسؤال القدرة لا النوايا.

الأردن ليس بعيدًا عن هذا التحول، بل هو في قلبه جغرافيًا واقتصاديًا وأمنيًا، فعقود من التداخل الحدودي، والتشابك التجاري، وحركة النقل والخدمات، تجعل من أي انفتاح سوري فرصة طبيعية للأردن إن أحسن إدارتها، أو عبئًا إضافيًا إن تُركت دون تخطيط، فالمعادلة لم تعد،، هل نفتح؟ بل: كيف نفتح؟ وبأي أدوات؟ ولصالح من؟.

الحكومة تمتلك عناصر قوة حقيقية في هذا المشهد؛ موقع جغرافي ذكي، بنية لوجستية قابلة للتطوير، خبرة في قطاع الخدمات، وسمعة إدارية مستقرة مقارنة بالإقليم، لكن امتلاك عناصر القوة لا يكفي إن لم تتحول إلى سياسة اقتصادية نشطة، وخارطة طريق واضحة، تُعيد تعريف العلاقة مع سوريا على أساس الخدمات لا الشعارات، وعلى المصالح لا العواطف.

الأردن قادر ، إن أراد أن يكون بوابة الخدمات لسوريا في مرحلة ما بعد الحصار، في النقل، والتخليص، والتأمين، والطاقة، والخدمات اللوجستية، وإعادة التصدير، وحتى في التدريب وبناء القدرات، فالدول الخارجة من الحصار لا تبدأ بالإنتاج الكبير، بل تبدأ بالخدمات، والأردن دولة خدمات بامتياز، لكن هذا الدور لا يُمنح، بل يُنتزع عبر قرار سياسي اقتصادي جريء، يوازن بين الاعتبارات الأمنية والمكاسب الاقتصادية، دون ارتباك أو تردد.

التحدي الحقيقي لا يكمن في الخارج، بل في الداخل؛ في قدرة الحكومة على تجاوز البيروقراطية، وتوحيد القرار الاقتصادي، ومنح القطاع الخاص دورًا شراكيًا حقيقيًا، لا دور المتفرج، كما يكمن في سرعة التحرك، لأن الفرص الإقليمية لا تنتظر، والأسواق لا تعترف بالنيات المتأخرة.

إلغاء قانون قيصر لا يعني تدفق الأموال غدًا، لكنه يعني فتح الأبواب بعد سنوات من الإغلاق، ومن يفهم لحظة الفتح هو من يربح، الأردن اليوم أمام اختبار إدارة التحول لا التفاعل معه، وأمام فرصة لإعادة تعريف علاقته بسوريا من موقع الشريك الخدمي لا الجار المتردد.

في السياسة، كما في الاقتصاد، لا تُقاس الدول بما تقوله، بل بما تفعله عند اللحظات الفارقة، ورفع الحصار عن سوريا هو إحدى تلك اللحظات، فإما أن يحجز الأردن مكانه في معادلة ما بعد الحصار، أو يكتفي بمراقبة الآخرين وهم يعيدون رسم الخريطة.

مدار الساعة ـ