أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الشديفات يكتب: بين الإدارة واللّامركزيّة.. قراءة سياسيّة في رؤية الروابدة


المهندس مؤيد الرشود الشديفات
نائب رئيس لجنة بلدية منشية بني حسن :: عضو في المعهد السياسي لإعداد القيادات الشبابية - مشروع الحكومة الشبابية - قطاع الإدارة المحلية - الجيل الثاني

الشديفات يكتب: بين الإدارة واللّامركزيّة.. قراءة سياسيّة في رؤية الروابدة

المهندس مؤيد الرشود الشديفات
المهندس مؤيد الرشود الشديفات
نائب رئيس لجنة بلدية منشية بني حسن :: عضو في المعهد السياسي لإعداد القيادات الشبابية - مشروع الحكومة الشبابية - قطاع الإدارة المحلية - الجيل الثاني
مدار الساعة ـ

قراءة تحليليّة في خطاب رئيس وزراء أسبق تعيد طرح سؤال الإدارة المحليّة بعيدًا عن ضجيج القوانين ، و تضع المفهوم قبل التشريع ، و الثقة قبل الهياكل

_____

عندما يتقدّم المفهوم على القانون

في مرحلةٍ تتكثّف فيها النقاشات حول تحديث منظومة الحُكم المحليّ ، و تتصاعد فيها الأصوات الداعية إلى تعديل القوانين و إعادة هيكلة المجالس ، جاءت مداخلة دولة رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عبدالرؤوف الروابدة في المؤتمر الوطني للإدارة المحلية , الذي نظمه حزب مبادرة , لتُعيد ضبط البوصلة ، ليس باتجاه القانون ، بل باتجاه الفكرة التي يُفترض أن يُعبّر عنها القانون .

لتعيد النقاش إلى نقطةٍ غالبًا ما يتم تجاوزها :

الفكرة قبل النص ، و المفهوم قبل التشريع .

فحين يؤكّد أنّ الوقت غير مناسب للحديث عن قانونٍ للإدارة المحليّة لم تُحسم فلسفته بعد ، فإنّه لا يعارض مبدأ التحديث بقدر ما يُحذّر من تشريعٍ يسبق الإجماع على معناه و وظيفته , و يلفت النظر إلى خللٍ أعمق يتمثّل في غياب التوافق على مفهوم الإدارة المحليّة ذاته .

هذه المقاربة تكشف إدراكًا سياسيًا عميقًا بأن القوانين ، مهما بلغت دقّتها ، لا تُنتج إصلاحًا إذا لم تُبنَ على رؤية واضحة و مفهوم متوافق عليه .

و من هنا ، لا يبدو خطاب الروابدة اعتراضًا على المسار الإصلاحي بقدر ما هو محاولة لتصويبه ، و التنبيه إلى أنّ الاستعجال في سنّ القوانين قد يُعيد إنتاج الاختلالات نفسها ، و لكن بصيغة قانونيّة جديدة .

و ينبع ثقل هذا الطرح من كونه صادرًا عن رجل دولة خبر بنية الحُكم و شارك في صناعة القرار ، و يقرأ التحولات من داخل التجربة لا من خارجها ، ما يمنح ملاحظاته بعدًا تحذيريًا أكثر منه جدليًا , و يحذّر من أنّ تشريعًا بلا فلسفة واضحة لن يكون أكثر من إعادة إنتاجٍ لأزمة قائمة بأدوات جديدة .

_____

الإدارة … حجر الأساس في استقرار الدولة و ثقة مواطنيها

ينطلق الروابدة من مسلّمةٍ أساسيّة مفادها أنّ الإدارة هي العمود الفقريّ لأيّ دولة مستقرة ، و هي الأداة التي تُترجم السياسات إلى واقع ، و تصنع الثقة أو تهدرها بين المواطن و مؤسّساته .

و من هذا المنطلق ، يصف ما شهدته الإدارة الأردنيّة خلال الخمسة عشر عامًا الماضية بأنّه ( تراجعٌ بنيويّ ) ، لا يمكن اختزاله في أخطاء أفراد أو تعثّر سياسات ، بل هو نتاج تراكمات خللت بنية الإدارة نفسها , و يستدعي مراجعةً شاملةً لهيكلة مؤسّسات الدولة و أدوارها .

و يكتسب هذا التشخيص بعدًا سياسيًا حين يشير إلى تراجع دور ( الخبرة ) في صناعة القرار العام ، مقابل الاعتقاد السائد بأن تعاقب الأجيال وحده كفيل بإنتاج بدائل أفضل .

فإقصاء الخبرة المتراكمة لا يُضعف فقط جودة القرار ، بل ( يُهدّد الذاكرة المؤسسية للدولة ) ، و يجعل الإدارة أكثر هشاشة أمام التقلّبات و التجارب غير المحسوبة .

و في هذا السياق ، يبدو حديث الروابدة أشبه بدعوة لاستعادة التوازن بين التجديد و الاستفادة من الخبرة، باعتبارهما ركيزتين لا غنى لإحداهما عن الأخرى .

_____

من يقود الدولة ؟ إعادة ضبط العلاقة بين السياسيّ و الإداريّ

في قراءته لأداء الجهاز التنفيذيّ ، لا يذهب الروابدة إلى نقدٍ شخصيّ أو اتهاميّ ، بل يُسلّط الضوء على خللٍ بنيويّ في توزيع الأدوار داخل السلطة التنفيذيّة .

فالوزير ، في رؤيته ، يجب أن يكون قائدًا سياسيًا يضع السياسات العامّة و يحدّد الاتجاهات الكبرى ، لا مديرًا تنفيذيًا غارقًا في التفاصيل الفنّيّة و الإجرائيّة .

في المقابل ، تقع مسؤوليّة القيادة الإداريّة و الفنّيّة على عاتق الأمناء العامّين ، بوصفهم أصحاب الاختصاص و الخبرة ، و القادرين على ضمان استمراريّة العمل المؤسسي بعيدًا عن التغييرات السياسيّة .

و يُشكّل هذا الفصل بين الدورين شرطًا أساسيًا لأيّ إصلاح إداريّ حقيقي ، إذ لا يمكن بناء جهازٍ تنفيذيّ فعّال دون وضوحٍ في الصلاحيّات ، و تحديدٍ دقيقٍ للمسؤوليّات .

و من هنا ، يتحوّل هذا الطرح من مسألة إداريّة إلى قضية سياسيّة بامتياز ، لأنّ نجاح أيّ مسار تحديث سياسيّ يبقى مرهونًا بجهازٍ إداريّ مهنيّ ، مستقل نسبيًا ، و قادر على تنفيذ السياسات بكفاءة .

_____

الإدارة المحليّة و اللّامركزيّة : حين اختلطت المفاهيم و دُفِع الثمن

و يحتلّ نقد تجربة اللّامركزيّة موقعًا محوريًّا في خطاب الروابدة ، ليس رفضًا لمبدأ نقل السلطة بحدّ ذاته ، بل اعتراضًا على طريقة التطبيق و خلط المفاهيم .

فهو يُميّز بوضوح بين الإدارة المحليّة بوصفها شأنًا خدميًا مرتبطًا مباشرة بأهل المنطقة و احتياجاتهم ، و بين اللّامركزيّة باعتبارها أسلوبًا من أساليب الإدارة العامّة للدولة .

و يرى أنّ التجربة الأردنيّة جمعت بين المفهومين دون حسمٍ فلسفيّ ، ما أفرغ اللّامركزيّة من مضمونها ، و حوّلها إلى نموذجٍ شكليّ نُقلت فيه الآراء بدلًا من القرارات ، و الصلاحيات بدلًا من السلطة الحقيقيّة .

و بهذا ، لم تتحقّق الغاية المعلنة من تخفيف العبء عن المركز أو تمكين الأطراف ، بل أُنتجت طبقة إداريّة إضافيّة زادت التعقيد بدل أن تُبسّط المسار .

_____

اللامركزيّة بين الوعد التنمويّ و الواقع المُخفّف

و في امتداد هذا النقد ، يستعيد الروابدة طرحًا قديمًا له يقوم على نقل القرار الخدمي إلى المناطق ، لا سيما الفقيرة و الأقل حظًا ، وفق معيار مستوى المعيشة لا الجغرافيا السياسيّة . فجوهر اللّامركزيّة ، كما يراها ، لا يكمن في استحداث مجالس جديدة أو هياكل إداريّة إضافيّة ، بل في تمكين المناطق من ترتيب أولويّات الإنفاق ، و الحصول على نصيبٍ عادل من موازنة الدولة .

و يُعدّ هذا البعد التنمويّ جوهر الرؤية الإصلاحية التي يطرحها ، إذ لا يمكن الحديث عن عدالة تنمويّة دون نقل حقيقيّ للقرار ، و دون تمكين المجتمعات المحليّة من المشاركة في رسم مسارها الخدمي و التنمويّ . و من هنا ، يعلن الروابدة موقفه بوضوح من الصيغة الحالية لقانون اللّامركزيّة ، معتبرًا أنّ إعادة النظر فيه لم تعد ترفًا سياسيًا ، بل ضرورة فرضتها نتائج التطبيق .

_____

الديمقراطيّة المحليّة … اختبار الثقة بالانتخاب و الاحتكام للقانون

و يأخذ الخطاب بعدًا سياسيًا حسّاسًا حين يتناول مسألة المجالس المُنتخبة ، إذ يرى أنّ تجاوز هذه المجالس أو حلّها بقرارات إداريّة يفتح بابًا واسعًا للتساؤل حول مدى الإيمان بالديمقراطيّة المحليّة وبحقوق الناخبين . فالمساس بالمجالس المُنتخبة لا ينعكس فقط على الإدارة المحليّة ، بل يُصيب الثقة العامّة في صميمها .

و يؤكّد في هذا السياق أنّ الاحتكام إلى القضاء هو المسار الدستوريّ الوحيد للمحاسبة ، باعتباره الضامن لحقوق الأفراد و المؤسّسات ، و الحامي لاستقرار النظام الإداريّ و السياسيّ .

_____

إصلاح بلا ضجيج : قراءة هادئة في رسالة الروابدة إلى صانع القرار

في المحصّلة ، لا يمكن قراءة خطاب دولة عبدالرؤوف الروابدة بمعزلٍ عن موقعه السياسيّ و خبرته الطويلة في إدارة الدولة . فهو لا يطرح موقفًا صداميًا ، و لا يسعى إلى كسر السقف السياسيّ ، بل يُقدّم قراءة هادئة تُشبه المراجعة الذاتيّة لمسارٍ طويل من التجربة .

فالرسالة الأبرز في هذا الخطاب أنّ الإصلاح الحقيقيّ لا يبدأ بتغيير العناوين أو تدوير القوانين ، بل بإعادة تعريف العلاقة بين المركز و الميدان ، و بين القرار و التنفيذ ، و بين الدولة و المواطن ، على أساس الثقة و المسؤوليّة المتبادلة .

و هي رسالة تحمل إيحاءً إصلاحيًّا واضحًا مفاده

أنّ تصويب المسار لم يعد خيارًا مؤجّلًا ، بل ضرورة تفرضها التجربة نفسها

و أنّ قوّة الدولة لا تُقاس بمدى تمركز القرار ، بل بقدرتها على حسن توزيعه حين يحين وقت المراجعة

مدار الساعة ـ