قراءة تحليليّة في خطاب رئيس وزراء أسبق تعيد طرح سؤال الإدارة المحليّة بعيدًا عن ضجيج القوانين ، و تضع المفهوم قبل التشريع ، و الثقة قبل الهياكل
_____عندما يتقدّم المفهوم على القانونفي مرحلةٍ تتكثّف فيها النقاشات حول تحديث منظومة الحُكم المحليّ ، و تتصاعد فيها الأصوات الداعية إلى تعديل القوانين و إعادة هيكلة المجالس ، جاءت مداخلة دولة رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عبدالرؤوف الروابدة في المؤتمر الوطني للإدارة المحلية , الذي نظمه حزب مبادرة , لتُعيد ضبط البوصلة ، ليس باتجاه القانون ، بل باتجاه الفكرة التي يُفترض أن يُعبّر عنها القانون . لتعيد النقاش إلى نقطةٍ غالبًا ما يتم تجاوزها : الفكرة قبل النص ، و المفهوم قبل التشريع . فحين يؤكّد أنّ الوقت غير مناسب للحديث عن قانونٍ للإدارة المحليّة لم تُحسم فلسفته بعد ، فإنّه لا يعارض مبدأ التحديث بقدر ما يُحذّر من تشريعٍ يسبق الإجماع على معناه و وظيفته , و يلفت النظر إلى خللٍ أعمق يتمثّل في غياب التوافق على مفهوم الإدارة المحليّة ذاته . هذه المقاربة تكشف إدراكًا سياسيًا عميقًا بأن القوانين ، مهما بلغت دقّتها ، لا تُنتج إصلاحًا إذا لم تُبنَ على رؤية واضحة و مفهوم متوافق عليه . و من هنا ، لا يبدو خطاب الروابدة اعتراضًا على المسار الإصلاحي بقدر ما هو محاولة لتصويبه ، و التنبيه إلى أنّ الاستعجال في سنّ القوانين قد يُعيد إنتاج الاختلالات نفسها ، و لكن بصيغة قانونيّة جديدة . و ينبع ثقل هذا الطرح من كونه صادرًا عن رجل دولة خبر بنية الحُكم و شارك في صناعة القرار ، و يقرأ التحولات من داخل التجربة لا من خارجها ، ما يمنح ملاحظاته بعدًا تحذيريًا أكثر منه جدليًا , و يحذّر من أنّ تشريعًا بلا فلسفة واضحة لن يكون أكثر من إعادة إنتاجٍ لأزمة قائمة بأدوات جديدة ._____الإدارة … حجر الأساس في استقرار الدولة و ثقة مواطنيهاينطلق الروابدة من مسلّمةٍ أساسيّة مفادها أنّ الإدارة هي العمود الفقريّ لأيّ دولة مستقرة ، و هي الأداة التي تُترجم السياسات إلى واقع ، و تصنع الثقة أو تهدرها بين المواطن و مؤسّساته .و من هذا المنطلق ، يصف ما شهدته الإدارة الأردنيّة خلال الخمسة عشر عامًا الماضية بأنّه ( تراجعٌ بنيويّ ) ، لا يمكن اختزاله في أخطاء أفراد أو تعثّر سياسات ، بل هو نتاج تراكمات خللت بنية الإدارة نفسها , و يستدعي مراجعةً شاملةً لهيكلة مؤسّسات الدولة و أدوارها . و يكتسب هذا التشخيص بعدًا سياسيًا حين يشير إلى تراجع دور ( الخبرة ) في صناعة القرار العام ، مقابل الاعتقاد السائد بأن تعاقب الأجيال وحده كفيل بإنتاج بدائل أفضل . فإقصاء الخبرة المتراكمة لا يُضعف فقط جودة القرار ، بل ( يُهدّد الذاكرة المؤسسية للدولة ) ، و يجعل الإدارة أكثر هشاشة أمام التقلّبات و التجارب غير المحسوبة . و في هذا السياق ، يبدو حديث الروابدة أشبه بدعوة لاستعادة التوازن بين التجديد و الاستفادة من الخبرة، باعتبارهما ركيزتين لا غنى لإحداهما عن الأخرى ._____من يقود الدولة ؟ إعادة ضبط العلاقة بين السياسيّ و الإداريّ في قراءته لأداء الجهاز التنفيذيّ ، لا يذهب الروابدة إلى نقدٍ شخصيّ أو اتهاميّ ، بل يُسلّط الضوء على خللٍ بنيويّ في توزيع الأدوار داخل السلطة التنفيذيّة . فالوزير ، في رؤيته ، يجب أن يكون قائدًا سياسيًا يضع السياسات العامّة و يحدّد الاتجاهات الكبرى ، لا مديرًا تنفيذيًا غارقًا في التفاصيل الفنّيّة و الإجرائيّة . في المقابل ، تقع مسؤوليّة القيادة الإداريّة و الفنّيّة على عاتق الأمناء العامّين ، بوصفهم أصحاب الاختصاص و الخبرة ، و القادرين على ضمان استمراريّة العمل المؤسسي بعيدًا عن التغييرات السياسيّة . و يُشكّل هذا الفصل بين الدورين شرطًا أساسيًا لأيّ إصلاح إداريّ حقيقي ، إذ لا يمكن بناء جهازٍ تنفيذيّ فعّال دون وضوحٍ في الصلاحيّات ، و تحديدٍ دقيقٍ للمسؤوليّات . و من هنا ، يتحوّل هذا الطرح من مسألة إداريّة إلى قضية سياسيّة بامتياز ، لأنّ نجاح أيّ مسار تحديث سياسيّ يبقى مرهونًا بجهازٍ إداريّ مهنيّ ، مستقل نسبيًا ، و قادر على تنفيذ السياسات بكفاءة . _____الإدارة المحليّة و اللّامركزيّة : حين اختلطت المفاهيم و دُفِع الثمن و يحتلّ نقد تجربة اللّامركزيّة موقعًا محوريًّا في خطاب الروابدة ، ليس رفضًا لمبدأ نقل السلطة بحدّ ذاته ، بل اعتراضًا على طريقة التطبيق و خلط المفاهيم . فهو يُميّز بوضوح بين الإدارة المحليّة بوصفها شأنًا خدميًا مرتبطًا مباشرة بأهل المنطقة و احتياجاتهم ، و بين اللّامركزيّة باعتبارها أسلوبًا من أساليب الإدارة العامّة للدولة . و يرى أنّ التجربة الأردنيّة جمعت بين المفهومين دون حسمٍ فلسفيّ ، ما أفرغ اللّامركزيّة من مضمونها ، و حوّلها إلى نموذجٍ شكليّ نُقلت فيه الآراء بدلًا من القرارات ، و الصلاحيات بدلًا من السلطة الحقيقيّة . و بهذا ، لم تتحقّق الغاية المعلنة من تخفيف العبء عن المركز أو تمكين الأطراف ، بل أُنتجت طبقة إداريّة إضافيّة زادت التعقيد بدل أن تُبسّط المسار . _____اللامركزيّة بين الوعد التنمويّ و الواقع المُخفّف و في امتداد هذا النقد ، يستعيد الروابدة طرحًا قديمًا له يقوم على نقل القرار الخدمي إلى المناطق ، لا سيما الفقيرة و الأقل حظًا ، وفق معيار مستوى المعيشة لا الجغرافيا السياسيّة . فجوهر اللّامركزيّة ، كما يراها ، لا يكمن في استحداث مجالس جديدة أو هياكل إداريّة إضافيّة ، بل في تمكين المناطق من ترتيب أولويّات الإنفاق ، و الحصول على نصيبٍ عادل من موازنة الدولة . و يُعدّ هذا البعد التنمويّ جوهر الرؤية الإصلاحية التي يطرحها ، إذ لا يمكن الحديث عن عدالة تنمويّة دون نقل حقيقيّ للقرار ، و دون تمكين المجتمعات المحليّة من المشاركة في رسم مسارها الخدمي و التنمويّ . و من هنا ، يعلن الروابدة موقفه بوضوح من الصيغة الحالية لقانون اللّامركزيّة ، معتبرًا أنّ إعادة النظر فيه لم تعد ترفًا سياسيًا ، بل ضرورة فرضتها نتائج التطبيق . _____الديمقراطيّة المحليّة … اختبار الثقة بالانتخاب و الاحتكام للقانون و يأخذ الخطاب بعدًا سياسيًا حسّاسًا حين يتناول مسألة المجالس المُنتخبة ، إذ يرى أنّ تجاوز هذه المجالس أو حلّها بقرارات إداريّة يفتح بابًا واسعًا للتساؤل حول مدى الإيمان بالديمقراطيّة المحليّة وبحقوق الناخبين . فالمساس بالمجالس المُنتخبة لا ينعكس فقط على الإدارة المحليّة ، بل يُصيب الثقة العامّة في صميمها . و يؤكّد في هذا السياق أنّ الاحتكام إلى القضاء هو المسار الدستوريّ الوحيد للمحاسبة ، باعتباره الضامن لحقوق الأفراد و المؤسّسات ، و الحامي لاستقرار النظام الإداريّ و السياسيّ . _____إصلاح بلا ضجيج : قراءة هادئة في رسالة الروابدة إلى صانع القرار في المحصّلة ، لا يمكن قراءة خطاب دولة عبدالرؤوف الروابدة بمعزلٍ عن موقعه السياسيّ و خبرته الطويلة في إدارة الدولة . فهو لا يطرح موقفًا صداميًا ، و لا يسعى إلى كسر السقف السياسيّ ، بل يُقدّم قراءة هادئة تُشبه المراجعة الذاتيّة لمسارٍ طويل من التجربة . فالرسالة الأبرز في هذا الخطاب أنّ الإصلاح الحقيقيّ لا يبدأ بتغيير العناوين أو تدوير القوانين ، بل بإعادة تعريف العلاقة بين المركز و الميدان ، و بين القرار و التنفيذ ، و بين الدولة و المواطن ، على أساس الثقة و المسؤوليّة المتبادلة . و هي رسالة تحمل إيحاءً إصلاحيًّا واضحًا مفاده أنّ تصويب المسار لم يعد خيارًا مؤجّلًا ، بل ضرورة تفرضها التجربة نفسها و أنّ قوّة الدولة لا تُقاس بمدى تمركز القرار ، بل بقدرتها على حسن توزيعه حين يحين وقت المراجعةالشديفات يكتب: بين الإدارة واللّامركزيّة.. قراءة سياسيّة في رؤية الروابدة
المهندس مؤيد الرشود الشديفات
نائب رئيس لجنة بلدية منشية بني حسن :: عضو في المعهد السياسي لإعداد القيادات الشبابية - مشروع الحكومة الشبابية - قطاع الإدارة المحلية - الجيل الثاني
الشديفات يكتب: بين الإدارة واللّامركزيّة.. قراءة سياسيّة في رؤية الروابدة
المهندس مؤيد الرشود الشديفات
نائب رئيس لجنة بلدية منشية بني حسن :: عضو في المعهد السياسي لإعداد القيادات الشبابية - مشروع الحكومة الشبابية - قطاع الإدارة المحلية - الجيل الثاني
نائب رئيس لجنة بلدية منشية بني حسن :: عضو في المعهد السياسي لإعداد القيادات الشبابية - مشروع الحكومة الشبابية - قطاع الإدارة المحلية - الجيل الثاني
مدار الساعة ـ