مدار الساعة -أعلن العلماء أنهم حلوا لغز قدم "Burtele"، وهي مجموعة من العظام التي تعود إلى 3.4 مليون سنة، عُثر عليها في إثيوبيا العام 2009. تم ربط هذه الأحافير، إلى جانب أخرى اكتُشفت أخيرًا، بنوع غير معروف، كان معاصرًا للهيكل العظمي الجزئي الشهير المسمى "لوسي"، الذي ينتمي إلى نوع "أوسترالوبيثيكوس أفارينيسيس".
وتنتمي عظام القدم وفك يحتوي على أسنان إلى نوع بشري قديم يُسمى "أسترالوبيثيكوس ديريميدا"، وهو نوع أكثر بدائية من "لوسي"، وفقًا لدراسة نُشرت في 26 نوفمبر/تشرين الثاني في دورية "Nature".وإذا ثبتت صحة هذه الاكتشافات بعد المزيد من التدقيق، فقد يُطاح بـ"لوسي"، إحدى الأسماء الأكثر شهرة في تطور الإنسان، من مكانتها الهامة في شجرة العائلة الإنسانية.في العام 2009، اكتشف فريق بقيادة عالم الأنثروبولوجيا القديمة يوهانس هايلي-سلاسي، الأستاذ في جامعة ولاية أريزونا والمعد الرئيسي للدراسة، ثماني عظام قدم داخل طبقات رسوبية عمرها 3.4 مليون سنة في موقع "Burtele" بمنطقة ورانسو ميل في ولاية عفر بإثيوبيا. ويعد الموقع قريبا من المكان الذي جرى فيه اكتشاف الهيكل العظمي الجزئي "لوسي" في العام 1974.كان الفريق يعرف أن القدم تعود إلى نوع مختلف عن "لوسي" لأنها كانت تحتوي على إصبع قدم قابل للحركة، ما يشير إلى أن الكائن كان يتمتع بقدرة أكبر على الإمساك وكان بإمكانه تسلق الأشجار بسهولة. لكن، لم تكن هناك معلومات كافية لتسمية نوع جديد بناءً على حفريات القدم فقط.بعد فترة قصيرة، اكتشف هايلي-سلاسي، مدير معهد أصول الإنسان في جامعة ولاية أريزونا، أسنانًا وقطعًا أخرى من الأحافير تعود إلى فترة تتراوح بين 3.33 مليون و3.59 مليون سنة، وفي العام 2015، أعلن أنها تعود إلى نوع جديد من أشباه البشر أطلق عليه الباحثون اسم "أسترالوبيثيكوس ديريميدا". وقد لاقى هذا التعيين تشكيكًا من بعض الخبراء في تطور الإنسان نظرًا لعدد الأحافير المحدود.ويكشف تقرير الدراسة الأخيرة عن اكتشاف المزيد من أحافير "أسترالوبيثيكوس ديريميدا"، يشمل عظام القدم المربكة في التصنيف.وكان يُعتقد لفترة طويلة أنّ "لوسي" هي النوع الوحيد من البشر الأوائل الذي عاش بين 3.8 مليون و3 مليون سنة مضت. لكنّ الاكتشافات الجديدة توفّر دليلًا واضحًا على أن نوعين مرتبطين من البشر الأوائل كانا يتعايشان في ذات الفترة الزمنية حول منطقة ورانسو ميل الحالية، ما يثير تساؤلات حول كيفية تعايشهم معًا.
وذكرت الدراسة أن نوع "أسترالوبيثيكوس ديريميدا" كان يمشي على ساقين، ويُحتمل أنه كان يدفع نفسه باستخدام الإصبع الثاني بدلاً من إصبع القدم الكبير كما يفعل البشر اليوم.وأفاد هايلي-سلاسي في بيان: "ما يعنيه ذلك هو أن المشي على قدمين لدى أسلاف البشر الأوائل كان يتم بأشكال عديدة. وفكرة العثور على عينات مثل قدم Burtele تخبرنا أن هناك العديد من الطرق للمشي على قدمين عندما كنا على الأرض"، مشيرًا إلى أنه "لم يكن هناك شكل واحد فقط حتى وقت لاحق".
وأوضح هايلي-سلاسي في فيديو شاركته جامعة ولاية أريزونا: "هذه هي المرة الأولى التي نُبيّن فيها أنّ "أسترالوبيثيكوس ديريميدا" و"أسترالوبيثيكوس أفارينيسيس" كانا قادرين على التعايش لأنهما كانا مختلفين من حيث تكيفاتهما الحركية، وأيضًا لأنهما كانا يستهلكان مصادر غذائية مختلفة". وأضاف هايلي-سلاسي: "لذلك، لم يكن هناك أي تنافس".من جانبه، قال فريد سبور، قائد أبحاث في مركز أبحاث تطور الإنسان في متحف التاريخ الطبيعي بلندن، غير المشارك في البحث، لكنه كتب تعليقًا رافق نشر الدراسة، إن الأحافير الجديدة ونسب عظام القدم إلى "أسترالوبيثيكوس ديريميدا" يجب أن تؤدي إلى قبول أوسع لهذا النوع كنوع حقيقي. وأضاف سبور أن تضمين "أسترالوبيثيكوس ديريميدا" في شجرة التطوّر قد يؤدي إلى بعض "التحولات" الجديدة في قصة البشر، ما قد يعني أن "لوسي" قد تفقد مكانتها "الرمزية" كأجداد جميع البشر اللاحقين، ضمنًا نوعنا البشري، الإنسان العاقل.
كانت "لوسي" أقصر من متوسط طول الإنسان، إذ بلغ طولها نحو متر واحد. وكان لها وجه يشبه وجوه القردة، ودماغ يبلغ حجمه نحو ثلث حجم دماغ الإنسان. وقد أظهر هيكلها الأحفوري مزيجًا من السمات الشبيهة بالإنسان وتلك الشبيهة بالقردة، وقدّم أول دليل قاطع على أن أقارب البشر القدماء كانوا يمشون منتصبين قبل 3.2 مليون سنة.وعلى مدى عقود، بعد اكتشاف الهيكل العظمي، كان يُعتقد أن نوع "لوسي" هو السلف المشترك الوحيد لجميع أشباه البشر اللاحقين، كما أشار سبور. لكن اكتشافات أحدث لأشباه بشر أقدم أشارت إلى أن "لوسي" لم تكن كذلك، رغم أنّ معظم العلماء ما زالوا يعتقدون أن نوعها كان سلفًا لسلالتنا. وقال سبور إن البحث الجديد تحدّى هذا التصور العلمي، إذ قد لا يكون جنسنا، الإنسان العاقل، قد انحدر مباشرة من نوع "لوسي".وعندما قارن الباحثون نوع "أسترالوبيثيكوس ديريميدا" بأنواع أخرى من الأسترالوبيثيكوس، وجدوا أن بعض سماته، ولا سيما القدم والفك، تشبه نوعًا كان يُعتقد أن لوسي قد أعطت أصله، وهو أحد أشباه البشر المعروف باسم "أوسترالوبيثيكوس الأفريقي"، الذي عاش قبل ما بين مليوني وثلاثة ملايين سنة. أما سمات أخرى، بما في ذلك نظام الغذائي للـ"أسترالوبيثيكوس ديريميدا"، فكانت قريبة الشبه بنوع أقدم وأكثر بدائية من الأسترالوبيثيكوس يُعرف باسم "أسترالوبيثيكوس أنامنسيس"، الذي عاش قبل ما بين 4.2 و3.8 ملايين سنة.
وخلص سبور في بيان إلى أنه من المرجح أن "أسترالوبيثيكوس ديريميدا" يتحدّر من "أسترالوبيثيكوس أنامنسيس"، وإذا كان هذا صحيحًا، فقد لا يكون "أسترالوبيثيكوس أفارينيسيس" سلفًا لجميع الأنواع البشرية اللاحقة. وأضاف أن هذا اكتشاف غير متوقع "سيثير ضجة كبيرة" بين العلماء.











