أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

'يا فؤادي': رصدٌ مُشوّق لأحوال ذات ومدينة وصالات ومهنة

مدار الساعة,أخبار ثقافية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة -يستهلّ محمد سويد (كاتب وناقد ومخرج لبناني) الطبعة الثانية من كتابه الممتع والمُحزن "يا فؤادي: سيرة سينمائية عن صالات بيروت الراحلة" (رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2025، 240 صفحة) بافتتاحية مقبضة عن نسف بناية "سينما ريفولي" وتدميرها بالديناميت، مقارناً الأمر بحادثين فارقين في التاريخ المعاصر: هيروشيما، وبُرجا "المركز العالمي للتجارة".

مقارنة أو مبالغة تثير أسئلة عدّة، كالتي تستدعيها القراءة المشوّقة لفصول الكتاب، عن ذكريات وأفلام ونجوم وأسماء، التهم ظلام السينما حيواتهم، وغَفل التاريخ في أغلب البلاد العربية عن ذكرهم. يحاول سويد، عبر استرجاعه الأمين، المنطلق من سيرة وذكريات، إعادة إحياء ماضي أرباب السينما وطليعتها وروّادها، لا مجرّد سرد أرقام وإحصائيات عن أسماء وتواريخ بناء صالات بيروتية وهدمها. ما يطرح أسئلة عويصة: هل الحياة أهم، أمْ السينما؟ هل ينمّ الشغف بحكايات صالات وأطلالها وذكرياتها وأناسها، والماضي برمّته، عن سوداوية؟ هل ذكريات الناقد معها تهمّ سواه؟

يطرح سويد الكثير عبر جهدٍ رصين، حاول فيه بأمانة ورشاقة رصد تاريخ صالات، أو "قِبلات النظر"، على حدّ وصفه. فالصالات قِبلات نظر له في كلّ ساحة وشارع. صالات اختطفها النسيان، ولم يعد لها من قيمة خلال مرورها في ذاكرته المنهكة بالصُوَر. لا يكتفي بتأريخ صالات وأفلام فقط، إذْ يحاول أيضاً استعادة صورة بانورامية منسيّة لأحوال مجتمع ومدينة، في عقود، بتأكيد صادق أنّ الإنسان لا يستمرّ ويواصل الحياة مدفوعاً بالذاكرة، بل بالنسيان.

وللنسيان، الآفة الكبرى للإنسان، وجه آخر، لولاه لما بذل سويد محاولته القيمة هذه. ولأننا كعرب لا نبالي كثيراً بالتأريخ والتوثيق والحفاظ على الذاكرة، ونؤثر عيش اليوم بيومه، انعكس هذا على تصدّيه لرصد تواريخ أغلب الصالات البيروتية، والحكايات الكامنة وراء إقامتها وتوقّفها وهدمها. لذا، تكثر لديه الكلمات اللايقينية: يُستشفّ من، لو سلّمنا جدلاً، الزعم، التكهّن، لا دليل، رواية غير مؤكّدة. وهذا، إلى أنْ يذكر صراحة، لاحقاً: "إذاً، من أين تبدأ الحكاية، ومع أي صالة؟".

يرصد سويد بدايات تأسيس السينمات في بيروت، معطياً خلفية تاريخية غير منهجية أو يقينية عن البدايات، وكيف حلّت السينما محل خيال الظل وخيم القراقوز والحكواتي. وأخيراً، كيف تحولت الحانات والمقاهي، تدريجياً، ومنذ عشرينيات القرن 20، إلى دور سينما بسيطة، قبل تشييد الصالات. ثم كيف، بعد دخول التلفزيون فالحروب المتعاقبة، وغيرها من النكبات، باتت أغلبها محض ذكريات وأطلال.


مدار الساعة ـ