أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

79% من اللاعبين أكملوها: كيف حوّل هيديو كوجيما 'لعبة ساعي البريد المملة' إلى إدمان؟

مدار الساعة,أخبار التكنولوجيا، التقنيات,الذكاء الاصطناعي
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة-في عصر الاستهلاك الرقمي السريع والملهيات اللحظية، تجرأ مصمم ياباني على تحدي كل قواعد السوق بإطلاق لعبة فيديو دارت أحداثها حول توصيل الطرود البطيئة سيراً على الأقدام، وأجبرت اللاعب على مشاهدة ما زاد عن ست ساعات كاملة من المشاهد السينمائية المقطوعة!

لقد كان هيديو كوجيما، المصمم الذي عامله النقاد كـ "مخرج سينمائي" أكثر من كونه مطور ألعاب، لكن الجدل الحقيقي كمن في الأرقام، فبينما كان من المتوقع أن يتخلى اللاعبون عن ملحمة ديث ستراندينغ 2 المملة، كشفت بيانات صادمة أن 79% من اللاعبين أكملوا اللعبة!

كيف نجح كوجيما في تحويل "المحتوى الصعب الهضم" إلى إدمان تجاوز في إكماله كل ألعاب العالم المفتوح الأخرى؟ هل كان هذا انتصاراً للرؤية الفنية على المتعة، أم مجرد هيمنة سينمائية لملياردير الألعاب الذي رفض تقديم أي اعتذار عن قصصه الغامضة والمحملة بـ "الرعب البيولوجي"؟

إنها فرضية كسرت كل أعراف سوق الترفيه، لعبة فيديو ضخمة طلبت منك أن تكون ساعي بريد بائس، تتنقل عبر مناظر طبيعية ما بعد الكارثة.

لكن بفضل "عبقرية" هيديو كوجيما، تحولت ديث ستراندينغ 2: على الشاطئ، ببطولة نجوم هوليوود مثل نورمان ريدوس وليا سيدو، إلى تحفة فنية لُقبت بـ "العلاجية"، رغم بطء إيقاعها غير المعتاد.

وسر نجاح كوجيما في فرض أسلوبه "الأوتيري" المعقد، يكمن في أنه خصص وقتاً طويلاً من اللعب لمهام بدت مملة ومضجرة، مثل إدارة حمولة الشحنات وتوغل لا نهائي في البرية، لكن هذا الإيقاع المتقصد هو ما أثار الإدمان.

في حين كان الجدل الاقتصادي والسردي في الأرقام التي لا تكذب، فاللعبة، التي نظر إليها البعض على أنها محاولة سينمائية أكثر منها لعبة، حققت أداءً تجارياً مذهلاً.

وبشكل عام، تجاوزت إيرادات السلسلة المليارية بفضل الجزء الأول (الذي بيع منه أكثر من 16 مليون وحدة)، مما وضع ديث ستراندينغ ضمن الملكيات الفكرية (آي بي) الأكثر قيمة عالمياً.

هذه النجاحات جاءت رغم أن ألعاب الفئة الإنتاجية إيه إيه إيه (AAA) التي استخدمت ممثلين من الصف الأول (موشن كابتشر) كانت تقدر ميزانيتها بأكثر من 100 مليون دولار، وقد وصلت إلى 300 مليون دولار أو أكثر.

لكن الصدمة الحقيقية كانت نسبة الإكمال: 79% من لاعبي الجزء الثاني أكملوا القصة في الشهر الأول!

هذا الرقم غير المسبوق دحض الادعاء بأن اللاعبين ملوا من ألعاب كوجيما، إذ تجاوز المعدل بمرتين أو أكثر نسب إكمال ألعاب العالم المفتوح المنافسة، وعنى أن كوجيما حصل على عائد استثمار (آر أو آي) أفضل على محتوى اللعبة الكامل مقارنة بالمنافسين الذين تخلى عنهم اللاعبون مبكراً.

كوجيما، الذي صرح بجرأة بأن متعة اللاعب جاءت "كفكرة لاحقة"، أوضح أن أعماله لا يمكن أن تكون "مريحة جداً"، بل يجب أن تترك "انزعاجاً واحتكاكاً" حتى تبقى في ذهن اللاعب لعقود، مثل الروايات والأفلام.

كان الأسلوب السينمائي لكوجيما هو جوهر هذه "السيطرة" على اللاعبين.

فقصصه تكشفت عبر مشاهد مقطوعة غير تفاعلية، شكلت أكثر من 6 ساعات من وقت اللعب في الجزء الثاني، أي ما قُدر بـ 15% من زمن اللعب الإجمالي الذي قضاه اللاعب في المشاهدة فقط.

هذا السلوك الإخراجي دفعه للحصول على زمالة الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون (بافتا)، وهو شرف خُصص لعمالقة السينما مثل مارتن سكورسيزي، مما أكد مكانته كـ "مخرج" في عالم الألعاب.

كما تناولت قصصه قضايا عميقة وجدلية مثل أتمتة العمل، التلوث البيولوجي، وسياسات "ما بعد الحقيقة" التي تنبأت بها لعبته ميتال جير سوليد 2 عام 2001.

القوة الاقتصادية والفنية لكوجيما دفعت صناعة الترفيه للركوع أمام ملكيته الفكرية، فبعد النجاح الساحق لمسلسل ذا لاست أوف أس، تسارعت كبرى الشركات لتحويل عالم كوجيما إلى محتوى تقليدي؛ حيث أعلنت ديزني بلس عن مسلسل رسوم متحركة، بينما عمل استوديو إيه 24 (المنتج لأفلام الأرت هاوس) على فيلم حي.

هذه الاستثمارات المليارية أكدت أن الإبداع المعقد، حتى لو كان "صعب الهضم"، هو السلعة الأكثر قيمة في سوق الترفيه العالمي.

وحتى مع التقدم التكنولوجي، شدد كوجيما على أن الثورة القادمة كانت في الذكاء الاصطناعي الخاص بالتحكم وسلوك الأعداء، وليس في الجماليات البصرية، مما ضمن أن قصصه المعقدة ستستمر في تحدي اللاعبين وإثارة الجدل لسنوات قادمة.

ومما عزز مكانته الفريدة، أن لعبته القادمة أو دي (OD)، وهي لعبة رعب، شارك في كتابتها المخرج الأوسكاري جوردان بيل (مخرج فيلم جيت أوت)، ليثبت كوجيما أن حدود الإبداع بين الألعاب والسينما قد زالت تماماً.


مدار الساعة ـ