أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات مغاربيات دين بنوك وشركات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

العتوم يكتب: ثقافة الاعتذار: هل هي قوة أم ضعف؟


ا.د. عدنان العتوم

العتوم يكتب: ثقافة الاعتذار: هل هي قوة أم ضعف؟

مدار الساعة ـ

ثقافة الاعتذار تعني أن يعترف الإنسان بخطئه ويعبّر عن أسفه بوضوح واحترام، دون تبرير زائد أو تهرّب. وهي سلوك يدل على النضج والمسؤولية، حيث يعترف الشخص بما بدر منه، ويُظهر فهمه لتأثير تصرّفه على الآخرين، ويحاول إصلاح ما أمكن إصلاحه، مع الحرص على عدم تكرار الخطأ. في ظل ثقافة الاعتذار يصبح الاعتذار سلوكًا طبيعيًا مقبولًا، يُقوّي العلاقات بدل أن يضعفها، ويزيد من الاحترام والثقة بين الناس.

الاعتذار له فوائد كبيرة لِمُرسِله (الشخص الذي يعتذر). عندما يعترف الإنسان بخطئه ويقول "أنا آسف" بصدق، يشعر أولًا براحة نفسية لأنه تخلّص من ثِقل الذنب والتفكير المستمر في الموقف. كما أن الاعتذار يظهره بمظهر الشخص الناضج الذي يمتلك شجاعة الاعتراف بالخطأ، وهذا يجعله أكثر احترامًا في عيون الآخرين، لا أقل. ومن فوائد الاعتذار أيضًا أنه يساعد على الحفاظ على العلاقات وعدم خسارة الأشخاص المهمّين في حياتنا، لأن كلمة صادقة قد تُصلح ما أفسدته لحظات تسرع. إضافة إلى ذلك، فإن الاعتذار يعلّم الإنسان من تجاربه؛ فهو يدفعه للتفكير في سلوكه، وفهم تأثيره على غيره، ومحاولة ألا يكرّر نفس الخطأ في المستقبل. بهذه الطريقة، لا يكون الاعتذار مجرد كلمة، بل خطوة حقيقية نحو نضج أكبر وشخصية أفضل.

الاعتذار له فائدة كبيرة أيضًا لمتلقي الاعتذار (الشخص الذي نعتذر له). عندما يسمع الإنسان من أساء إليه يقول "أنا آسف، كنت مخطئًا"، يشعر أولًا بأن مشاعره محترمة وأن ألمه مُعترف به، وهذا يخفّف من غضبه وجرحه الداخلي. كما أن الاعتذار الصادق يساعده على تجاوز الموقف وعدم البقاء عالقًا في الشعور بالظلم أو الإهانة، فيسهل عليه أن يسامح أو يهدأ على الأقل. إضافة إلى ذلك، يعطي الاعتذار إحساسًا بالأمان في العلاقة؛ لأنه يرى أن الطرف الآخر مستعد لتصحيح خطئه وليس مستعدًا لتكراره بسهولة. هذا يعيد بناء الثقة بينهما أو يمنعها من الانهيار التام. الاعتذار أيضًا يفتح باب الحوار بدل القطيعة، ويجعل متلقي الاعتذار قادرًا على التعبير عن مشاعره والتنفيس عمّا في نفسه. بهذه الصورة، يصبح الاعتذار هدية معنوية تعيد شيئًا من التوازن والاحترام للإنسان الذي تعرّض للأذى.

هل الاعتذار الصادق يعبر عن قوة أم عن ضعف؟

الشخص الضعيف يتهرّب، يبرّر، ويلقي اللوم على غيره حتى لا يعترف بخطئه. أما الشخص القوي فيملك شجاعة أن يقول: "نعم، أنا أخطأت"، ويتحمّل مسؤولية ما فعل ويحاول إصلاحه مما يؤكد على ان الاعتذار في الحقيقة علامة نضج، وثقة بالنفس، واحترام للآخرين. والمعتذر يكسب أكثر من المتلقي لان المعتذر يربح راحته النفسية، ونضجه، واحترامه لذاته واحترام الناس له، وحفظ علاقاته من الانهيار. أمّا متلقّي الاعتذار فيربح اعترافًا واضحًا بأن ما حدث كان خطأ، واحترامًا لمشاعره، وتخفيفًا من ألمه وغضبه، وفرصة لإصلاح العلاقة إن أراد. فالمعتذر يكسب نفسه وتطوّره، والمتلقي يكسب كرامته وتهدئة جرحه.

اجعلوا الاعتذار جزءًا طبيعيًا من سلوككم اليومي ومن ثقافة مؤسساتكم. على الأفراد أن يتعودوا قول "أنا أخطأت" بصدق، بدل المكابرة وتبرير الخطأ، لأن هذا يحمي العلاقات ويخفف التوتر والخصومات. وعلى أصحاب القرار أن يقدّموا نموذجًا عمليًا بالاعتراف بالأخطاء في الأسرة أو المدرسة أو بيئة العمل أو في المؤسسات العامة، وأن يربطوا بين الاعتذار وتحمل المسؤولية وإصلاح الخطأ. عندما يرى الناس قادتهم يعتذرون بشجاعة، يتعلم الجميع أن الاحترام الحقيقي لا يعني العصمة من الخطأ، بل يعني القدرة على تصحيحه والاعتذار عنه لقوله صلوات الله عليه وسلم "كلُّ بني آدمَ خطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التوَّابون»"، رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.

مدار الساعة ـ