مدار الساعة -مع أول موجات البرد، تبدأ الحكاية ذاتها في بيوت كثيرة، مدافئ تشتعل طلبا للدفء، وأبواب ونوافذ موصدة هربا من الهواء البارد، قبل أن يتحول هذا الدفء إلى خطر لا يرى ولا يشم. هكذا تصف مديرية الامن العام ما تسميه القاتل الصامت، الذي يهاجم بهدوء ويترك خلفه فواجع متكررة.
تحذر المديرية من الاستخدام الخاطئ لوسائل التدفئة على اختلاف انواعها، مؤكدة ان الاهمال في تفقدها قبل الاستعمال، او النوم وتركها مشتعلة، او تشغيلها بوجود اطفال دون رقابة، قد يحول المدفأة الى خطر قاتل يحدث الاصابات والوفيات في غفلة تامة. وتوضح ان سبب هذه التسمية يعود الى انبعاث غاز اول اكسيد الكربون من عمليات الاحتراق، وهو غاز عديم اللون والرائحة، يتحد مع هيموغلوبين الدم ويعيق قدرته على نقل الاكسجين، فيفقد المصاب وعيه دون ان يشعر بالخطر.لا يقرع هذا الغاز بابا قبل دخوله، ولا يمنح ضحاياه فرصة للنجاة، فأعراضه التي تبدأ بالغثيان وسرعة التنفس والارهاق والدوخة وعدم القدرة على الحركة، قد تتطور سريعا الى فقدان الوعي والوفاة، خاصة عند النوم وترك المدافئ مشتعلة او تشغيلها في اماكن مغلقة دون تهوية.ورغم التحذيرات المتكررة على مدار السنوات الماضية، تؤكد مديرية الامن العام انها ما زالت تتلقى بلاغات عن حوادث اختناق وحرائق ناجمة عن سوء استخدام المدافئ، تتراوح بين استنشاق الغازات السامة ونفاد الاكسجين، او حرائق سببها لعب الاطفال قرب المدافئ، او سقوطها، او انسكاب المواد البترولية، او تسرب الغاز، او وضعها بالقرب من الاثاث والستائر.هذه التحذيرات لم تأت من فراغ، فخلال ايام قليلة فقط، سجلت حوادث مأساوية متتالية. صباح الجمعة، اعلنت مديرية الدفاع المدني وفاة خمسة اشخاص من عائلة واحدة في محافظة الزرقاء نتيجة تسرب غاز من مدفأة، ليرتفع عدد وفيات الاختناق جراء وسائل التدفئة الى تسع وفيات خلال اقل من اربع وعشرين ساعة، واربعة عشر وفاة منذ الجمعة التي سبقتها.وفي منطقة الهاشمية بمحافظة الزرقاء، فارقت ام واطفالها الاربعة الحياة بعد اصابتهم بضيق في التنفس اثر تسرب غاز المدفأة داخل منزلهم، حيث تراوحت اعمار الاطفال بين احد عشر واربعة عشر عاما. وفي مساء الخميس الذي سبقه، شهدت المنطقة ذاتها فاجعة اخرى بوفاة رجل وزوجته وابنيه، الذين نعتهم عشيرة النجار بعد ان قضوا اختناقا بالغاز.ولم تتوقف القصص عند الزرقاء، ففي بلدة ناطفة غرب اربد، توفي طفل يبلغ من العمر عامين اثر تعرضه للاختناق جراء تسرب الغاز داخل منزل ذويه، رغم نقله الى مستشفى الاميرة بسمة. وفي عجلون، توفي شخص من جنسية عربية بعد استنشاقه الادخنة المنبعثة من موقد حطب داخل احد المنازل. وقبل ذلك باسبوع، تعاملت كوادر دفاع مدني غرب عمان مع حادث تسرب غاز ادى الى وفاة ثلاثة اشخاص من اسرة واحدة واصابة شخص رابع بضيق في التنفس.امام هذه الوقائع، تشدد مديرية الامن العام على جملة من الارشادات، في مقدمتها ضرورة تجديد الهواء داخل المنازل بين الحين والاخر، وعدم النوم وترك المدفأة مشتعلة، وعدم استخدامها في الاماكن المغلقة والضيقة، وعدم السماح للاطفال باللعب بالقرب منها او استخدامها للطهي. كما تؤكد اهمية تفقد الخراطيم الواصلة بين اسطوانة الغاز والمدفأة والتأكد من سلامتها، واغلاق محبس الغاز الرئيس من المصدر، خاصة عند استخدام المدافئ التي تفتقر الى حساسات كشف التسرب.وتدعو المديرية المواطنين الى عدم التردد بالاتصال الفوري على رقم الطوارئ 911 عند الاشتباه بأي تسرب او شعور باعراض اختناق، مؤكدة ان الوقاية والالتزام بالتعليمات هما خط الدفاع الاول في مواجهة قاتل لا يرى، لكنه يفتك بصمت.المدافئ وسوء الاستخدام.. حين يصبح الدفء قاتلا
مدار الساعة (الرأي) ـ


