أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

التقاعد المبكر.. ومتهربو ' الضمان '


علاء القرالة

التقاعد المبكر.. ومتهربو ' الضمان '

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ

"التقاعد المبكر" تحول ومع مرور الوقت عاما وراء عام إلى معضلة وطنية تهدد واحدة من أهم ركائز الأمن الاجتماعي بالمملكة، فالتعامل مع هذا النظام بالفلسفة نفسها التي تتجاهل تغير الواقع الديموغرافي والاقتصادي بأنانيه مفرطة للأسف بات يستنزف المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي بصمت، ويضع حقوق أجيال مقبلة على المحك، فمتى نتوقف؟.

"الضمان الاجتماعي" ليس صندوقا مفتوحا بلا نهاية، بل نظام قائم على توازن دقيق بين ما يدفع اليوم من اشتراكات وما سيصرف غدا من تقاعدات، غير أنه وعندما يصبح التقاعد المبكر هو القاعدة لا الاستثناء، فإن هذا التوازن يختل بشكل خطير جدا، فخروج أعداد كبيرة من المؤمن عليهم من سوق العمل بأعمار مبكرة يعني تقليص سنوات الاشتراك، مقابل إطالة سنوات الصرف، وهذه معادلة خاسرة مهما بلغت قوة المركز المالي الحالي.

"الخطر الحقيقي" لا يكمن فقط في ارتفاع أعداد المتقاعدين مبكرا، بل في الاستمرار بالنظر إلى هذه الظاهرة وكأنها حق مكتسب لا يجوز المساس به، دون الالتفات لكلفته الجماعية، فكل "تقاعد مبكر" اليوم، إن لم يُدَر بحكمة، هو اقتطاع غير مباشر من فرص وحماية أبناء الغد، الذين سيجدون أنفسهم أمام نظام مثقل بالالتزامات وأقل قدرة على الوفاء بها.

بموازاة خطر التقاعد المبكر، يقف خطر آخر وهو التهرب من الاشتراك في الضمان الاجتماعي والذي يعد قنبلة موقوتة ، وخاصة أن أكثر من خمس العاملين مازالوا خارج مظلة "الضمان"، وهنا فالنظام لا يخسر اشتراكات مالية فحسب، بل يخسر مبدأ العدالة ذاته، ليأتي التساؤل: كيف يمكن لنا الحديث عن استدامة حقيقية، فيما شريحة واسعة من سوق العمل لا تسهم في التمويل، لكنها قد تحتاج الحماية لاحقا؟.

التهرب التأميني يضرب الضمان من جهتين، فهو من جهة يضعف إيراداته، ويخلق فجوة اجتماعية مستقبلية غدا، ومن جهة أخرى أن هذا التهرب لم يعد محصورا في القطاع غير المنظم، بل تسلل بأشكال مختلفة لقطاعات منظمة،مستفيدة هي ايضا من ثغرات تشريعية من ضعف الرقابة أو من الثقافة المجتمعية التي لا ترى في الضمان أولوية.

خلاصة القول، الإصلاح المطلوب لا يعني الانتقاص من حقوق الناس، ولا تحميل المشتركين أعباء غير عادلة، بل إعادة ضبط البوصلة، فـ"التقاعد المبكر" يجب أن يعود إلى "موقعه الطبيعي"كاستثناء له ضوابط صارمة، لا كمسار افتراضي للهروب من سوق العمل، كما ان علينا ان نعامل التهرب من "الضمان" كقضية وطنية، وليس كمخالفة إدارية عابرة، فالوقت يسرقنا فعلا، وكل سنة تمر دون قرارات شجاعة، تعني أن الأجيال القادمة ستدفع ثمن راحتنا المؤقتة اليوم.

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ