انتخابات نواب الأردن 2024 اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للاردنيين احزاب رياضة أسرار و مجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مقالات جاهات واعراس مناسبات مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة كاريكاتير طقس اليوم رفوف المكتبات

لعبة الكراسي

مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2018/09/30 الساعة 06:43
مدار الساعة,معان,

سمعت طبيب العظام يقول لمريضه: اجلس على الكرسي الذي يناسب حجمك، كي يرتاح ظهرك، ولا تشعر بآلام الفقرات. فتذكرت لعبة الكراسي، حيث يدور الأولاد حول الكراسي ثم يتسابقون على الجلوس، ليخرج من اللعبة من لا كرسي له، لكن ربما جلس الواحد منهم على كرسي لا يناسب حجمه، فلا يرتاح فيه، وهكذا هي الحياة.

فالإنسان لا يرتاح إلا في مكان يناسب حجمه، لذلك كانت الأرض مكانا مريحا؛ لأن الإنسان يفترشها أو ينام عليها أو يستلقي كيف يشاء، ومن هنا كانت الجلسة العربية محببة للكثيرين. والقبر أيضا مكان يسع الإنسان ويمثل حاجته الطبيعية، فهو وإن كان على قدر الحاجة الضرورية إلا أنه مناسب؛ لأن الإنسان لا يتحرك في قبره ذات اليمين وذات الشمال. لكنّ الشيء المزعج للإنسان أن يجلس على كرسي لا يلائمه، بحيث يكون واسعا كبيرا، يشعر فيه بالفراغ، أو ضيّقا جدا يَشعر أن جزءًا منه معلق بالفضاء، والجاذبية الأرضية تسحبه نحو مركزها.

وهذه حال الطلاب مع كل الكراسي الموجودة في اللعبة، حيث يجلس البعض على كرسي أكبر منه، وأوسع من حجمه الجسدي والفكري والعقلي، فيشعر بفراغ كبير، لأنه لا يقدر، ولن يقدر على ملء فراغه، فيقوم بنفخ نفسه، نفخة كذّابة، ويتحرك كالبهلوان، ويتكلم كالأبله، ويتصرف تصرفات المختلين عقليا، أو الذين أدمنوا شمّ المخدرات كي يَظهر أنه ملء سمع الكرسي وبصره، ولكن هيهات. فكل ما يقوم به من حركات تؤكد أنه أراجوز صغير الحجم، ضئيل القدرات، لا يملأ هذا المكان، وأن الحلّ الوحيد لكل معاناته وشقاء من حوله بحركاته الصبيانية أن يتوجه إلى كرسي أصغر يمكن أن يرتاح فيه، ويريح الآخرين.

لن تنفع الطالب الأعذار بأن رياح الأقدار هي من أتت به إلى هذا الكرسي الكبير؛ لأنه أولا وآخرًا يعرف نفسه، ولكنه اغترّ بضخامة الكرسي، وظنّ أنّ جمعًا من المنافقين حوله سيرحّبون بقدومه الميمون، كما هي عادتهم يرحبون بكل وافد إليه؛ لأن المبدأ عندهم أنّ كل مَن يجلس على كرسي كبير فهو كبير، (واللي يوخذ أمي أقول له: يا عمي) لكن الغريب أن يصدق هذا المسكين المنافقين مِن حوله، ويكذب نفسه، لقد خدعوه فانخدع، حتى حسب هذا الطالب الأبله أنه بسبب هذا الكرسي الكبير قد فتّحت له الأبواب، وتيسر المعسور، وصار المستحيل ممكنا، والصعب سهلا، وصار كلامه مسموعا، وغثاؤه أدبًا، وما يُخرجه من كلام فارغ شعرا، وما ينطق به من غباء حكمة. لذلك سيتحمل في سبيل المكوث عليه أطول فترة ممكنة كلَّ الصعاب، فهو لن يقوم عنه، وإن أصيب بانزلاق الغضاريف كلها، أو جلطة بدماغه الفارغة من أي مخ، بل لن يقوم ولو أصابه الإسهال.

كطالب الصف الأول إذا جلس على كرسي المعلم، وناداه الطلاب مستهزئين به: أيها المعلم، ظنّ نفسه أنه صار معلما بالفعل، لقد كبر هذا الطالب بسبب الكرسي، وتضخّم وانتفخ كالبالون، وارتفع، والآن صار ينتظر رأس دبوس صغير يلامسه كي ينفجر ويعود لحجمه الطبيعي.

الكبير هو من يضفي على الكرسي الكبير هيبته وجماله، بل إن الكراسي تزهوا بالجالسين الكبار؛ لأنهم يشكلون لها إضافة، ويجعلون لها قيمة تحترم.

سنظل ندور حول تلك الكراسي، كبارا وصغارا؛ لأننا نحب اللعب، ونحب الحياة، وسنجلس حيث يقال لنا: قف، وبغض النظر عن الكرسي الذي سنجلس عليه، لأنه سيكون هبة الحياة لنا، وعلينا أن نحسن التعامل معها، ومع هذا سيظل الكبير كبيرا، والصغير صغيرا، مهما دارت الأيام.

الدستور

مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2018/09/30 الساعة 06:43