أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الأردن وسيادته… خطوط لا يجرؤ أحد على تجاوزها


المحامي الدكتور يزن دخل الله حدادين

الأردن وسيادته… خطوط لا يجرؤ أحد على تجاوزها

مدار الساعة ـ

كثُر في الآونة الأخيرة حديث بعض أصحاب الشعارات الصاخبة حول طبيعة التعاون العسكري بين الأردن والولايات المتحدة الأمريكية، في محاولة لإثارة الشكوك حول مسار الدولة ومكانة مؤسساتها. ورغم أن هذه الأصوات لا تستند إلى معرفة ولا إلى فهم حقيقي لطبيعة هذا التعاون، إلا أنها تُصرّ على الإيحاء بوجود «مخاطر» و«تدخلات» لا وجود لها إلا في مخيلتها. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى التعامل مع هذا الملف بقدر من الحسم في مواجهة الخطاب المبالغ فيه الذي يهدف إلى التشويش على وعي الرأي العام وإضعاف الثقة بالدولة دون سند موضوعي.

العلاقة العسكرية بين الأردن والولايات المتحدة الأمريكية علاقة راسخة وممتدة، ليست وليدة ظرف طارئ ولا ثمرة ضغوط من أحد. إنها شراكة محسوبة بدقة، تخدم تطوير قدرات القوات المسلحة الأردنية، وتوفّر لها تدريبًا مشتركًا متقدمًا، وخبرات نوعية، واطلاعًا مباشرًا على أحدث العقائد والتقنيات العسكرية. هذه ليست «منة» من أحد، بل هي جزء من شبكة علاقات مدروسة مكّنت الجيش العربي من البقاء في أعلى مستويات الجاهزية، ومن أداء مهامه بكفاءة في واحدة من أكثر البيئات الجيوسياسية تعقيدًا في العالم. والأردن في كل ذلك ثابت في سيادته، واضح في مواقفه، لا يقبل إملاءً ولا يخضع لابتزاز.

وما يغفل عنه أصحاب الخطاب المرتفع أن وجود قوات أمريكية مشتركة في الأردن ليس حالة استثنائية ولا سابقة خارج السياق وليست قواعد خاصة. فالولايات المتحدة الأمريكية تنتشر عسكريًا في عشرات الدول: ألمانيا وحدها تضم ما يقارب ٣٥ ألف جندي أمريكي، وإيطاليا نحو ١٢ ألفًا، وفي كوريا الجنوبية واليابان عشرات الآلاف، إضافة إلى وجود عسكري مباشر في تركيا وسوريا وغيرها. هذه أرقام وحقائق معلنة. لكن بعض المتحدثين يصرّون على تجاهلها، محاولين الإيحاء بأن الأردن في وضع «غير طبيعي»، بينما حجم التعاون فيه متواضع جدًا مقارنة بدول كثيرة، ولا يمسّ لا بسيادة الدولة ولا باستقلالية قرارها.

الأردن دولة محترفة في إدارة علاقاتها، لا تبني خياراتها على هتافات ولا على مزايدات. ومن أراد الخوض في هذا المجال فعليه أن ينظر بجرأة إلى دفاتر دول المنطقة ويقرأ ما فيها من مستويات تعاون عسكري وأمني مع قوى دولية، بدلًا من محاولات تضليل الرأي العام. فبعض الدول التي تعلن مواقف متشددة ظاهريًا ترتبط في الحقيقة بتفاهمات عميقة خلف الأبواب المغلقة، ولا سيما تلك التي دعمت لسنوات طويلة جماعات عابرة للحدود، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، واستعملتها كأدوات نفوذ وتأثير، ثم خرجت اليوم لتُلقي المحاضرات على غيرها.

أما الأردن، فليس في تاريخه ما يسمح لأحد بالتشكيك في قراره الوطني. شراكاته مبنية على حسابات دقيقة لمصالحه وأمنه، لا لمنح شرعية لأحد أو طلب حماية من أحد. ومؤسساته، وفي مقدمتها القوات المسلحة، قائمة على عقيدة واضحة: حماية الدولة، وصون سيادتها، وحفظ استقرارها، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التبعية. ومن يظن أن الأردن يقبل المساس بسيادته أو التفريط بقراره لا يعرف هذه الدولة ولا تاريخها ولا طبيعة قيادتها.

لهذا، فإن حملات التشكيك التي تُثار بين حين وآخر ليست إلا محاولات لخلق ضجيج مصنوع. الأردن لا تهزه الشعارات، ولا تنال منه الأصوات المرتفعة التي تفتقر إلى المعرفة، ولا يلتفت إلى خطاب يستهدف هيبته ومكانته. فهذه دولة تُدار بالعقل والاتزان والقوة الهادئة، لا بالصوت العالي. وبذلك يحافظ الأردن على استقراره، ويصون قراره، ويثبت مرة بعد مرة أن سيادته ليست مجالًا للمزايدات، ولا موضوعًا للمناقصة السياسية، بل حقيقة راسخة لا يملك أحد تغييرها أو التأثير عليها.

د. يزن دخل الله حدادين

محامٍ وخبير قانوني

مدار الساعة ـ