أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات خليجيات مغاربيات دين بنوك وشركات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

بطاح يكتب: إسرائيل والحروب غير المُنجزة


د. أحمد بطاح

بطاح يكتب: إسرائيل والحروب غير المُنجزة

مدار الساعة ـ

إنّ من الواضح أنّ إسرائيل بعد السابع من أكتوبر لم تعُد تنتظر أن يأتيها الهجوم فتصده وترده إلى أرض الآخرين، بل اعتمدت استراتيجية جديدة هي المبادرة إلى الهجوم على أيّ هدف تعتقد أنه يشكل خطراً عليها، وانطلاقاً من هذه الاستراتيجية بادرت بالهجوم على لبنان (وليس فقط الرد على حزب الله الذي بدأ حرب الإسناد في 08/10/2023)، كما هاجمت إيران فيما عرف بحرب الـ (12) يوماً، وإلى مهاجمة أنصار الله الحوثيين في اليمن، والتوغل في جنوب سوريا بعد سقوط النظام السابق.

ولكن... وبرغم كل هذه الهجمات الكبيرة والمؤثرة على هذه الجبهات فإن إسرائيل تواجه "مهمة غير مكتملة" بالنسبة لها جميعاً، وللتوضيح أكثر يمكن أن نعالج أوضاع هذه الجبهات على النحو الآتي:

أولاً: على الجبهة اللبنانية:

ما زالت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة تضغط على لبنان من أجل نزع سلاح حزب الله بالكامل (وليس فقط في جنوب الليطاني)، وهي تهدد في كل يوم بإجتياح بري كامل ينهي خطر حزب الله إلى غير رجعة، ومن الواضح أن إسرائيل لا تأبه بما قد يشكله موضوع نزع سلاح حزب الله من فتنة في داخل لبنان نظراً لهشاشة الموضوع "الطائفي" فيه وقابلية تحول الوضع إلى حرب أهلية.

إنّ الجبهة اللبنانية تشكل في الواقع الخطر القريب على إسرائيل وذلك بالنظر إلى مجاورة لبنان في حدوده الجنوبية لشمال إسرائيل وما فيه من مستوطنات جرى إخلاء سكانها مع بداية الحرب، وعلى هذا الأساس فإن إسرائيل تشعر بأن موضوع جبهة لبنان لا يمكن تأجيله طويلاً كما هو الحال بالنسبة للجبهات الأخرى.

ثانياً: على الجبهة الإيرانية:

لقد استطاعت إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة من خلال حرب الـ (12) يوماً تأجيل الخطر الإيراني وليس إنهاءَه، فالقدرات الإيرانية التقنية ما زالت موجودة، واليورانيوم المُخصّب بنسبة تزيد عن 60% لا أحد يعرف أين هو، والقدرات الصاروخية الإيرانية تم تحجيمها ولكنها ما زالت قائمة وربما زادت وتفاقم خطرها، ولذا فإنّ إسرائيل تعتقد أن الخطر الإيراني ما زال يستوجب التعامل معه ولا يمكن تأجيله إلى أمد بعيد، ولكن الموضوع مُعقّد ومن الصعب مقاربته فكيف لإسرائيل أن تحجّم القدرات التقنية الإيرانية؟ وكيف لها أن تدمر مخزون اليورانيوم المُخصّب؟ وكيف لها أن تزيل خطر الصواريخ الباليستية والفرط صوتية الإيرانية؟ إن الخطر الإيراني مع إسرائيل استراتيجي وخطير حقاً ولذا فهي تتلمس بالتعاون مع الغرب وبالذات الولايات المتحدة سبل مواجهته.

ثالثاً: على الجبهة اليمنية:

قد تكون الجبهة اليمنية من أقل الجبهات خطراً على إسرائيل، وذلك لبعدها وربطها موضوع الاشتباك مع إسرائيل بوقف الحرب على قطاع غزة، ومع ذلك فإنّ إسرائيل تظل تتحسب لهذه الجبهة وتدخلها في العوامل ذات الأثر في بيئتها الاستراتيجية، ولكن من غير اعتبارها عاملاً مهماً يحتاج إلى كثير من الاستعداد والجُهد.

رابعاً: الجبهة السورية:

إنّ من الواضح أنّ إسرائيل كانت مرتاحة لترتيباتها مع النظام السوري السابق، فقد كانت هناك اتفاقية فض الاشتباك 1974 بين الطرفين، كما كانت متوافقة مع روسيا على ملاحقة الوجود الإيراني ووجود حزب الله بالطرق الفعالة المناسبة، والدليل على ذلك أنها بادرت وبمجرد سقوط نظام الأسد إلى إلغاء اتفاقية 1974، وشن أكثر من (1000) غارة على المواقع السورية لتدمير ما لدى الجيش السوري السابق من أسلحة، والأنكى من ذلك أنها تطالب باعتبار الجنوب السوري (محافظات درعا، والقنيطرة، والسويداء) منزوعة السلاح، بل وتحرّض بعض أبناء طائفة الموحدين الدروز على التمرد على النظام السوري الجديد، وذلك بغض النظر عن إعلان هذا النظام عن رغبته في التفرغ للنهوض بسوريا وتنميتها وبما لا يشكل خطراً على أيّ من الدول الأخرى وبالذات المجاورة لسوريا، وبغض النظر عن رغبته في عقد اتفاق أمني مع إسرائيل يحدد طبيعة الترتيبات الأمنية بين الطرفين، ويحد من التوغلات الإسرائيلية اليومية (أكثر من 400 توغل) في الأراضي السورية.

إن أشكالية الجبهة السورية بالنسبة لإسرائيل تتمثل في أنّ الولايات المتحدة ترى أن استقرار سوريا ونهضتها بقيادة النظام الحالي يتفق مع الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، ولذا فهي ترى أنّ من المناسب الآن أن يتم عقد اتفاق أمني بين الطرفين بشروط معقولة وبحضور أمريكي واضح انتظاراً لدخول سوريا في اتفاق "تطبيعي" عندما يصبح الوقت مناسباً، والواقع هو أن إستراتيجية إسرائيل إزاء سوريا سوف تظل غير متبلورة تماماً إلى حين اتفاق إسرائيل مع الولايات المتحدة بهذا الشأن.

وختاماً، فإنّ إسرائيل تواجه بالفعل حروباً أو جبهات "غير مُنجزة" وسوف تجد نفسها مُطالبة باتخاذ قرارات هامة -لا تمسها فقط بل تمس المنطقة فيما يتعلق بهذه الجبهات-، وغني عن القول أن إسرائيل لا تعمل في فراغ بل هناك دول، وشعوب، وقوى لها أيضاً قوتها وحساباتها، ولذا فلعلنا لا نبالغ إذا قلنا بأننا مقبلون في هذه المنطقة على مرحلة حُبلى بالمتغيرات، والأحداث.

مدار الساعة ـ