أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات خليجيات مغاربيات دين بنوك وشركات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الباب الخلفي في الاقتصاد يفقد الدول السيادة


د. خلف ياسين الزيود
نائب أردني سابق عضو المكتب السياسي لحزب عزم

الباب الخلفي في الاقتصاد يفقد الدول السيادة

د. خلف ياسين الزيود
د. خلف ياسين الزيود
نائب أردني سابق عضو المكتب السياسي لحزب عزم
مدار الساعة ـ

الحروب أو الاحتلال المباشر لم تكن هي لوحدها من يسلب سيادة الدول بل هو ما يمكن تسميته بـ الابواب الخلفية في الاقتصاد، ذلك المسار الخفي الذي تتسلل منه قوى خارجية لتقييد القرار الوطني، والتحكم بمفاصل الدولة، تحت عناوين براقة مثل الإصلاح والديمقراطية، والتمويل، والشراكة، والدعم التنموي.

ان فلسفة الباب الخلفي تقوم على أدوات ناعمة لكنها عميقة الأثر، تبدأ بالارتهان المالي، وتمر عبر الشروط السياسية الناعمة المقنعة، فحين تعتمد دولة ما على القروض الخارجية لسد نفقات تشغيلية أساسية، لا لمشاريع إنتاجية، فإنها عملياً تضع قرارها الاقتصادي والسياسي في يد الدائن، فنرى أثر مظاهر هذا المسار، اشتراط السياسات مقابل التمويل، مثل رفع الدعم، خصخصة القطاعات الحيوية، تحرير الأسعار دون حماية اجتماعية، وتقييد دور الدولة الاقتصادي، وهذه الشروط لا تفرض صدفة بل تصاغ بعناية لإضعاف قدرة الدولة على ضبط سوقها، وحماية مواطنيها، وتوجيه مواردها وفق أولوياتها الوطنية.

كما يشمل الباب الخلفي الاختراق عبر الاتفاقيات التجارية غير المتكافئة، التي تفتح فيها الأسواق المحلية بالكامل، بينما تغلق فرص المنافسة الحقيقية أمام المنتج الوطني. وهنا تتحول الدولة إلى مستهلك دائم، فاقد للقدرة على بناء قاعدة صناعية أو زراعية سيادية، فتصبح كل الدولة بعملتها وسوقها وحياتها تحت وطئه التقلبات الخارجية.

ولا ننسى هنا ايضاً تدويل القرار الاقتصادي عبر ما يسمى مؤسسات التصنيف والائتمان والأسواق المالية، يكون فيها المنطق للربح والخسارة وليس الاستقرار الاجتماعي أو العدالة، وهنا تصل الحكومات الى اتخاذ قرارات قاسية رهبة من خفض تصنيف أو رحيل استثمار وتكون هذه القرارات على حساب الامن والسلم الأهلي والكرامة الوطنية.

نحن ندرك بان السيادة الاقتصادية لا تعني الانغلاق، بل هي القدرة على الاختيار، يعني أن تتعامل الدولة مع الخارج من موقع الندّية لا الاضطرار، وأن التمويل أداة للتنمية لا تقييد القرارات بحيث تكون وتبقى الموارد الاستراتيجية، والقطاعات الحيوية، وطريقة الخيارات المعيشة الأساسية تحت مظلة القرار الوطني، لأن الدول تحت فخ الباب الخلفي لا تشعر بالسقوط مرة واحدة، بل سيظهر بالتدريج على شكل عجز دائم، وتآكل في الطبقة الوسطى، وغضب اجتماعي، وفقدان للثقة بين المواطن والدولة، وعند هذه الحالة يصبح الخلاص مكلف.

ان السيادة تبدأ من الاقتصاد الانتاجي، والإدارة الرشيدة، والرؤية الوطنية الواضحة والتي تدرك أن أخطر الأبواب ليست تلك التي تكسر غصباً، بل هي تلك التي تفتح بهدوء ثم لا يسمح لأحد بإغلاقها.

مدار الساعة ـ