أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الوريكات يكتب: السرديّة الاردنية.. رواية وطنيّة يجب أن يكتبها الأردنيون


عبدالله الوريكات

الوريكات يكتب: السرديّة الاردنية.. رواية وطنيّة يجب أن يكتبها الأردنيون

مدار الساعة ـ

في لحظة اقليمية مضطربة، تتغير فيها الخرائط وتتشكّل فيها الهويات من جديد، تحت ضغط القوة الناعمة، والديموغرافيا، والاقتصاد، والفراغات السياسية، تجد الدولة الاردنية نفسها أمام ضرورة قصوى لصياغة سرديّة وطنية رسمية تعبّر عنها بوضوح وحزم

هذا الأمر ليس ترفا ثقافيا، ولا مشروعا بروتوكوليا بقدر ما هو ركيزة أساسية للأمن القومي، فغياب السردية قد يترك المجال لخطابات موازية تحاول أن تعيد تعريف الأردن خارج إرادة الأردنيين، بعضها يذيب الهوية، وبعضها يوظفها، وبعضها يحاول إختراع تاريخ آخر لهذا الوطن

إنّ كتابة السرديّة ليست لحظة أدبية بل سيادية بامتياز، فمن يملك حق تعريف الاردن يملك القدرة على صياغة دوره، وشرعيته، ومستقبله، ويبرز هنا السؤال الأخطر من المشروع نفسه: من يحق له كتابة هذه السرديّة؟

الجواب واضح

"الاردنيون أولاً" أبناء هذا المكان، الذين سكنوه منذ قرون، واستقبلوا فيه أسياد مكة وأشرافها الهاشميين، وتشاركوا معهم مشروع بناء الدولة منذ لحظة التأسيس، في عقد إجتماعي مقدس، لا يحتمل الخيانة، ولا التراخي، فالسرديّة ليست مُجرد حكاية وطنية، بل وثيقة سيادية تعيد تثبيت العلاقة بين الشعب والمكان والدولة والقيادة

قبل الوزارات والقوانين، كانت هناك هوية أردنيّة قائمة بذاتها، بدأت ببيت الشعر، والمغارة، والقرى الصغيرة، والثياب والتطريزات، واللهجة والأمثال، ومنظومة القيم والعادات، وأسلوب الحياة الذي شكّل هوية الأردنيين المتجذرة منذ آلاف السنين، فهذه ليست مُجرّد تفاصيل فلكلورية، بل الطبقة الأولى من الوعي الوطني لهوية سبقت الدولة الحديثة وكانت نواة لبنائها

رحلة الاردنيين لم تكن خروجا من البداوة الى حداثة مستوردة، بل كانت تحولا عضويا، بدأت نواته من قلب التجمعات القبلية الى مؤسسات الدولة، ومن اقتصاد بسيط الى اقتصاد الدولة المتقدمة، ولم تنقطع السلسلة بل تطورت، وظلّت العلاقة بين الماضي والحاضر مستمرة وغير قابلة للكسر

الأردن دفع ثمنا كبيرا لتحمله مسؤولياته الإنسانية والإقليمية، تغيرت المدن، واللهجة، والسوق، والعمران، والتوازن الديموغرافي، وحدث اختلاط ثقافي واسع أدّى في بعض المناطق الى تغيير أنماط الهوية نتيجة التحولات الديموغرافية، وكل ذلك في اطار إحترام الدولة العميق لجميع المقيمين واللاجئين، ودورها الإنساني والأخلاقي تجاههم، لكن هذا التغير لا يعني إختفاء الهوية الأردنيّة، بل يعني أننا أمام واجب وطني لاستعادتها وتوثيقها، ضمن إطار واضح يميز بين إنسانية الدولة، وحدود الهوية، واحترام الآخر، دون أن يكون ذلك على حساب الهوية الوطنية الأردنيّة التاريخية

السردية هي تعريف سياسي لهوية الدولة، تثبيت للذات الوطنية في مواجهة الضباب الإقليمي، وتأكيد على العلاقة بين الشعب والقيادة، وتحديد لما هو أردني وما هو جديد، وأي سرديّة تكتب دون الأردنيين قد تتحول الى منتج تجميلي بلا شرعية وبلا جذور وبلا وزن سياسي

الأردن اليوم بحاجة الى سرديته كما يحتاج الى حدوده، وقوانينه، ومؤسساته، فالرواية التي لا نكتبها نحن أبناء الاردن سيكتبها غيرنا، وقد يحاول فرضها على الدولة والمجتمع

السردية الأردنية هي إطار سياسي إعلامي، يحدد من نحن؟ كيف بدأنا وتطورنا؟ وما هو مستقبل الوطن؟ هي استعادة التعريف وقطع الطريق على أي محاولة لإعادة تشكيل الهوية الوطنية الأردنيّة من الخارج أو من الداخل عبر التمييع او الإستحواذ

إنّ التفاتة سمو ولي العهد وأميرنا المحبوب لهذا السرديّة وتوثيقها هو أمر عظيم، ويدل على فطنة محمودة، حريصة على هوية الوطن وكيف أنّ قيادتنا الهاشمية الحكيمة تلتفت للمستقبل الأردني من خلال الحفاظ على تاريخه المليء بالفخر والكرامة، ليحمل قصة هذا الوطن العظيم للأجيال القادمة دون عبث، وكأنها تقول: نعم لإعلان السيادة على الذاكرة والهوية والمستقبل

مدار الساعة ـ