تنفتح أمام الشباب اليوم مساحة رحبة تتيح لهم أن يجعلوا من الإبداع رافعة اقتصادية ووسيلة لتحسين أوضاعهم المعيشية، فالعالم يتجه بخطوات متسارعة نحو اقتصاد يعتمد على المعرفة والريادة والابتكار، ويمنح الصناعات الإبداعية قدرة هائلة على توليد الدخل وفرص العمل، من الفنون الرقمية والتصميم والإعلام وصناعة المحتوى، إلى السينما والألعاب الإلكترونية والتطبيقات والمنصات التفاعلية.
وعندما نبحث عن آليات تفعيل الشباب في هذا المجال، ينبغي أن ندرك أن البداية تنطلق من الاعتراف بأن الإبداع قوة إنتاجية قادرة على تحويل الشغف إلى إبداع ومن ثم إلى قيمة اقتصادية، فالشاب الذي يمتلك موهبة في الرسم، أو قدرة في تصميم واجهات رقمية، أو مهارة في إنتاج فيلم قصير، أو تصميم برنامج معين، أو خدمة ذات طلب عالٍ، أو تحويل أي أفكار إلى منتج إبداعي، يمكن أن يصبح جزءا من سوق عالمي يتعطش للتميز، إذا توفرت البنية التي تمنحه الأدوات والتدريب والتمويل ومساحات العمل المشتركة.إن تمكين الشباب في الصناعات الإبداعية يتطلب فتح مسار واضح يبدأ بالتعليم المهني المتخصص، مرورا ببرامج الاحتضان والتسريع، ووصولا إلى منصات تسويق محلية ودولية تحمل أعمالهم إلى مستثمرين وجماهير من خارج الحدود، فحين يجد الشاب دعما يتيح له تحويل فكرته إلى مشروع مدر للدخل، ترتفع قدرته على بناء حياة أكثر استقرارا، ويتحول الإبداع ذاته إلى مصدر رزق كريم.وتشير التجارب العالمية إلى أن الصناعات الإبداعية أصبحت من أكثر القطاعات نموا، وقادرة على إضافة نسب معتبرة إلى الناتج القومي الإجمالي في دول كثيرة، فهي صناعة تعمل بقيمة العقل، وتستند إلى قدرة الفرد على توليد الأفكار وتحويلها إلى منتجات ذات طلب عال، ومع توسع الاقتصاد الرقمي، بات شاب واحد يستطيع عبر هاتفه وحاسوبه أن يخلق مشروعا يعبر الحدود، ويحقق دخلا يفوق ما كانت تقدمه قطاعات تقليدية لعقود.وفي السياق الأردني، يحمل هذا القطاع وعدا حقيقيا، فالأردن يمتلك طاقة شبابية واسعة، ومواهب أثبتت قدرتها على المنافسة الإقليمية والعالمية، وكل خطوة نحو تطوير بيئة تشريعية مرنة، وتمويل ميسر، وحاضنات أعمال متقدمة، ستمنح الشباب فرصة لاقتحام سوق عالمي يقدر القيمة الإبداعية ويبحث عن مضمون عربي قادر على التعبير عن الذات والهوية.إن الصناعات الإبداعية تمثل اقتصادا متكاملا يعزز الدخل الفردي، يخلق وظائف جديدة، ويضيف إلى الناتج القومي الإجمالي قيمة صافية تنبع من العقول المبدعة، فعندما نضع الشباب في قلب هذه الحركة، فإننا نفتح أمامهم دربا يثمر أملا، ويصوغ واقعا اقتصاديا أكثر عدلا وازدهارا.في المحصلة؛ نحن اليوم جميعا مدعوون لمنح الشباب مساحة أوسع ليطلقوا طاقاتهم، وإلى إزالة القيود عن الإبداع كي يتحول إلى قوة فاعلة تدفع الاقتصاد والمجتمع معا فضاء أرحب، فحين يفتح الباب أمام الفكرة الجديدة، ينهض جيل قادر على صنع غد أكثر اتساعا، ويتحول الفكر إلى طاقة تغير الواقع بدل الاكتفاء بمراقبته.الصناعات الإبداعية.. قوة إنتاجية
الدكتور خالد الشقران
رئيس تحرير جريدة الرأي
رئيس تحرير جريدة الرأي
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ