لم تَعُدِ العُطْلَةُ الشِّتَوِيَّةُ مِساحَةً كافِيَةً لِلاسْتِرْخاءِ كَمَا كانَت في السّابق، بَل أَصْبَحَت أَيّامُهَا القَليلَةُ مُجرَّدَ فُسْحَةٍ سَرِيعَةٍ لا تَكادُ تُلَمْلِمُ ما تَرَكَتْهُ الأسابيعُ الطَّويلَةُ مِن إِرهاقٍ وتَعَبٍ في نُفوسِ الطَّلَبَةِ والمُعَلِّمِينَ والأمَّهاتِ. يَدخُلُ الطَّالبُ إِجازَتَهُ مُثْقَلًا، ويَخرُجُ مِنها بِالحالِ نَفسِهِ، لِأَنَّ المدَّةَ القَصِيرةَ لا تَسمَحُ لِذِهنِهِ أَن يَستَعِيدَ تَوازُنَهُ أو نَشاطَهُ بَعدَ فَصلٍ دراسِيٍّ يَمتَلِئُ بِالواجِباتِ والتَّقْويماتِ والضُّغوطِ الَّتي تَتَزايَدُ عامًا بَعدَ عام. وفي مَوازاةِ مُعاناةِ الطَّالِبِ، تَجِدُ الأُمُّ نَفسَها شَريكًا كامِلًا في العَمَلِيَّةِ التَّعْليميَّةِ، تُتابِعُ صِغارَها، وتُراجِعُ دُروسَهُم، وتَحمِلُ الهَمَّ مَعَهُم كُلَّ يَوم، حَتّى باتَ البَيتُ غُرفَةَ صَفٍّ ثانِيَةً تُرهِقُها أَكثَرَ مِمَّا تُريِحُها. ولَم تَعُدِ المُعاناةُ مُقتَصِرةً على جُهدٍ بَدَنِيٍّ فَقَط، بَل أَصبَحَت تَوتُّرًا مُستَمِرًّا يُزاحِمُ حَياتَها وَرَاحتَها، بِفِعلِ مَناهِجَ ضَخمَةٍ تُطالِبُها بِما يَتَجاوَزُ طاقَتَها وطاقةَ طفلِها.
وفي الوَسطِ يَقِفُ المُعَلِّمُ مُثقَلًا بِمَنهَجٍ كَبيرٍ وَوَقتٍ ضَيِّقٍ وَمَطالِبَ مُتعَدِّدَةٍ، يُحاوِلُ أَن يَشرَحَ ويُبَسِّطَ ويُراجِعَ ويُقيِّمَ، ثُم يُطالَبُ بإنهاءِ ما لا يَتَّسِعُ لَهُ زَمَنُ الحِصَصِ ولا ساعاتُ النَّهار. وهُوَ يَعلَمُ أَنَّ الطَّالِبَ بِحاجَةٍ إِلى فَهمٍ أَعمَقَ وتَدريبٍ أَوفَر، وأَنَّ المَادَّةَ بِحجمِها الحاليِّ تُرهِقُ العَقلَ أَكثَرَ مِمَّا تُنمِّيه.وفي هذا السِّياق، نُوَجِّهُ كلمةً هادِئَةً ومُحترَمَةً إلى مَعالِي وَزِيرِ التَّربِيَةِ والتَّعلِيم؛ فَالواقعُ التَّربَوِيُّ يُنادي بِصَوتٍ واضِحٍ أَنَّ المَناهِجَ الحَاليةَ أَكبَرُ مِن حُدودِ الوَقتِ، وأَثْقَلُ مِن طاقَةِ الطَّالِبِ والمُعَلِّمِ والأُسْرَةِ مَعًا، وَأَنَّ العُطلةَ الشِّتَوِيَّةَ بِقِصَرِهِا لا تُعيدُ للنُّفوسِ تَوازُنَها، ولا تُحقِّقُ الغايَةَ التَّربَوِيَّةَ الَّتي وُضِعَت مِن أَجلِها. ونَحنُ — مِن مَوقِفِ الحِرصِ لا مِن مَوقِفِ الاعتراض — نَرجُو إِعادةَ النَّظَرِ في مِقدارِ المَنهَجِ وَوَقتِ الإجازَةِ، لِيَعودَ التَّعليمُ مَسارًا مُتَّزِنًا يُنعِشُ الطَّالِبَ وَيَدعَمُ المُعَلِّمَ وَيُريحُ الأُمَّ.إنَّ التَّعليمَ الحَقَّ لَيسَ مِضمارًا لِتَراكُمِ الصَّفَحاتِ، ولا سِباقًا لِإنهاءِ الكُتُبِ، بَل هُوَ نَهرٌ يَنسابُ على مَهَل، يُنعِشُ العَقلَ وَيُضيءُ الطَّريقَ ويَمنَحُ لِلطَّالِبِ فُرصَةَ الفَهمِ، ولِلمُعَلِّمِ فُرصَةَ الإبداعِ، ولِلأُمِّ فُرصةَ العَيشِ بِهُدوءٍ دونَ أَعباءٍ تَتَضاعَفُ كُلَّ عام. وبَينَ كُلِّ هَذهِ التَّفاصيلِ يَبقى صَوتُنا واحِدًا: نُريدُ مَناهِجَ أَعقَلَ، وَعُطلةً أَوسَعَ، وَتَعليمًا يُنهِضُ أبناءَنا دُونَ أَن يُنهِكَهُم، وَيحفَظُ توازُنَ الأُسَرِ دُونَ أَن يَسرِقَ مِنها راحَتَها وأَمْسِيَّاتِها.النجار تكتب: قِصَرُ العُطْلَةِ الشِّتَوِيَّة وَثِقَلُ المَنَاهِج صَوْتٌ يَصِلُ بِهُدُوءٍ إِلَى أَصْحَابِ القَرَار
عبير النجار
كاتبة اردنية
النجار تكتب: قِصَرُ العُطْلَةِ الشِّتَوِيَّة وَثِقَلُ المَنَاهِج صَوْتٌ يَصِلُ بِهُدُوءٍ إِلَى أَصْحَابِ القَرَار
عبير النجار
كاتبة اردنية
كاتبة اردنية
مدار الساعة ـ