أثار قرار مجلس النواب القاضي باستبدال عقوبة الحبس بالسوار الإلكتروني في القضايا الشرعية جدلاً واسعاً، لما يحمله من تداعيات تمسّ جوهر العدالة الأسرية وحقوق الفئات الأكثر هشاشة. وبرغم ما قد يبدو من رغبة في التخفيف عن مراكز الإصلاح، إلا أن استبدال العقوبة السالبة للحرية بإجراء رقابي محدود التأثير يمثل تراجعاً خطيراً في منظومة الالتزام والردع داخل القضاء الشرعي.
فالواقع يؤكد أن السوار الإلكتروني لا يشكل عقوبة بالمعنى الحقيقي، ولا يمتلك القدرة على حمل المخالف إلى احترام التزاماته. في القضايا الشرعية تحديداً، تتعلق الحقوق بالنفقة والحضانة ومتجمد الالتزامات، وهي حقوق لصيقة بحياة المرأة والطفل، وأي تساهل في إنفاذها يعني عملياً الإضرار بالأطراف غير القادرة على الدفاع عن نفسها. إن الحبس — رغم التحفظات عليه — كان أداة ردع فعالة لإجبار المتهرّب على السداد والالتزام، أما السوار الإلكتروني فلا يحمل أي قوة تنفيذية تجبر المخالف على الوفاء بما عليه، بل يمنحه شعوراً بأن العقوبة شكلية ويمكن احتمالها.إن استبدال الحبس بالسوار في هذا النوع من القضايا يهدد بتفاقم التهرب من النفقة، وإطالة أمد النزاعات الأسرية، وإضعاف قدرة المرأة على تحصيل حقوقها القانونية، ويترك الأطفال دون حماية فعلية. كما يضع الجهات التنفيذية أمام عبء جديد لا يحقق فعالية، فالسوار لا يمنع السفر، ولا يوقف المماطلة، ولا يعالج مشكلة الامتناع المتعمد عن الدفع. ما يجعله إجراءً تجميلياً لا ينسجم مع طبيعة القضايا التي تمس صميم الحياة اليومية للأسر.الأخطر من ذلك أن هذا التعديل ينعكس سلباً على هيبة القضاء الشرعي ذاته. فالقانون يفقد قيمته حين يصبح الحكم القضائي بلا قوة تنفيذية، وتتحول العقوبة إلى إجراء رمزي لا يحمل أثراً ردعياً. وإذا شعرت الأطراف بأن الأحكام الشرعية يمكن الالتفاف عليها بسهولة، فإن الثقة في منظومة العدالة الأسرية ستتراجع، وستزداد مشاعر الظلم لدى النساء والأطفال الذين تُبنى حماية حقوقهم على صرامة التنفيذ لا على مرونته.تبرير هذا الإجراء بصفته “إنسانياً” لا يصمد أمام الواقع؛ فالنفقة ليست ديناً اختيارياً، بل واجب شرعي وقانوني، والطفل لا يستطيع انتظار التسويات ولا المماطلة، والعدالة الحقيقية لا تكون بالتخفيف عن المخالف، بل بحماية الطرف المتضرر الذي لا يملك سوى القانون سنداً وملاذاً.من هنا، فإنني أرفض هذا القرار دون تردد، لأنه لا يحمي الأسرة ولا يدعم العدالة، بل يفتح الباب واسعاً أمام التهرب ويضعف الردع، ويعيد إنتاج معاناة النساء والأطفال بدلاً من الحد منها. الإصلاح القانوني الحقيقي يجب أن يوازن بين الإنسانية والردع، لكنه لا يجوز أن يأتي على حساب الفئات الأضعف، ولا أن يفرّغ الالتزامات الشرعية من مضمونها.إن الأسرة ليست مساحة لتجارب تشريعية غير محسوبة، والحقوق الشرعية ليست مجالاً للمساومة. حماية المرأة والطفل تبدأ بوجود عقوبات فعّالة، واضحة، وقادرة على فرض الالتزام، لا بعقوبات شكلية تزيد المشكلة تعقيداً وتضاعف آثارهاالقيسي تكتب: السوار الإلكتروني في القضايا الشرعية… خطوة تُضعف العدالة الأسرية
ديما القيسي
مساعدة رئيس المجلس المركزي لحزب الميثاق
القيسي تكتب: السوار الإلكتروني في القضايا الشرعية… خطوة تُضعف العدالة الأسرية
ديما القيسي
مساعدة رئيس المجلس المركزي لحزب الميثاق
مساعدة رئيس المجلس المركزي لحزب الميثاق
مدار الساعة ـ