في كل مرة يزداد فيها الوضع الاقتصادي ضيقا، تخرج الحكومة بخطة جديدة تحمل عنواناً لامعاً: مدينة جديدة، مشروعات وفرص استثمارية ضخمة، رؤية مستقبلية، فيما المواطن لا يزال عالقا في معركة يومية مع أبسط حقوقه واحتياجاته: لقمة، فاتورة، مواصلات، ومستقبل لأولاده لا يرى له ملامح.
عندما يسمع المواطن عن مدينة تبنى في الصحراء، وعن مليارات الدنانير ستضخ، وعن جامعات ومرافق وترف عمراني، يتساءل مباشرة: هل ستغير هذه المدينة شيئاً من واقعي؟ هل ستنخفض فاتورة الكهرباء التي تلتهم ثلث الراتب؟ هل ستوفر لي عملاً يضمن لي حياة كريمة؟ هل ستعيد الثقة المفقودة في مشاريع سابقة كُتب لها أن تبقى نصف منجزة أو بلا أثر؟الناس اليوم لا تطلب المستحيل.. تريد فقط أن تعيش بكرامة.يريد الموظف أن يستلم راتبه فيشعر أنه يكفيه، لا أن يتبخر في أول أسبوع.تريد ربة البيت أن تشتري حاجاتها من دون أن تتفحّص وتقارن أسعار كل سلعة ثلاث مرات.يريد الشاب فرصة عمل حقيقية، لا إعلانا عن وظائف "مؤقتة" أو توسعة لمشروع لا يأتي.ويريد المتقاعد أن ينعم آخر عمره بقليل من الراحة، لا أن يحسب الدواء بالحبّة.في بلد يعاني من تضخم الأسعار وضعف القوة الشرائية وتآكل الرواتب وشح المياه وبطالة تتفاقم عاما بعد عام، يصبح السؤال مشروعا تماما: ما الأولوية؟ مدينة جديدة في الصحراء؟ أم حياة جديدة للناس؟هل من المنطق أن نبدأ بناء مدينة كاملة بينما القرى والبلدات والضواحي تعاني من نقص خدمات الصحة والتعليم والبنية التحتية؟هل يعقل أن نتحدث عن "رفاه عمراني" بينما العامل لا يستطيع دفع إيجار شقته؟وهل علاج الفجوة التنموية يكون بجغرافيا جديدة أم بإصلاح ما أهمل لعقود؟الناس لم تعد تنخدع بالوعود.تجاربهم السابقة علّمتهم أن المشاريع الكبيرة غالبا ما تبدأ بضجة وتنتهي بصمت..أبراج بقيت هياكل، مناطق صناعية لم تنتج، مشاريع إسكانية لم تُبْن، وخطط تروَّج كأنها المفتاح الذهبي ثم تختفي. والنتيجة: تعب إضافي على الناس، وثقة أقل بالحكومة.ما يحتاجه الأردني اليوم واضح:يحتاج إلى سياسات تنصفه، إلى أسعار يستطيع احتمالها، إلى ماء وكهرباء لا تشكل رعبا شهريا، إلى عمل كريم، وإلى مشاريع تنموية تعود عليه هو قبل المستثمر.يحتاج إلى واقع يُحترم فيه تعبه، لا إلى حلم جديد يضاف إلى قائمة الأحلام التي لا تتحقق.ويبقى السؤال، وهو جوهر الحكاية كلّها:ماذا سيعود على المواطن؟هل سيرى فرقا في يومه؟ أم أننا سنضيف مدينة جديدة إلى قائمة العناوين بدون أن يشعر الناس بشيء؟إلى أن تأتي الإجابة، سيبقى المواطن يعيش بين مدينتين:مدينة تُرسم فوق الرمال… ومدينة يتعب فيها كل يوم على أرض الواقع.الكردي تكتب: بين وهج المدن الجديدة وظلال الواقع.. ماذا سيستفيد المواطن؟
مدار الساعة ـ