في زمنٍ تتكاثر فيه السرديات وتتنازع فيه الشعوب على تعريف ذاتها، تبرز السردية الأردنية كحالة سياسية وتاريخية نادرة؛ سردية تُكتب بالفعل قبل القول، وبالإنجاز قبل الشعار. فالأردن لم يأتِ من فراغ، ولم ينهض مصادفة، بل تشكّل عبر قرن من الصمود، والالتزام، وبناء مؤسسات الدولة وسط محيط لا يهدأ.
السردية الأردنية ليست مجرد خطاب سياسي، بل وعي جمعي تشكّل في ظروفٍ صعبة: تحديات اقتصادية، تحوّلات إقليمية، موجات لجوء كفيلة بأن تُسقط دولًا، ومع ذلك ظل الأردن ثابتًا على معادلته الذهبية: الاستقرار مقابل الإصلاح المستمر. وهذا الثبات لم يكن جمودًا، بل قدرة ذكية على حماية الدولة وتطويرها في آنٍ واحد.اليوم، ومع تسارع التغيرات الإقليمية واشتداد الضجيج الإعلامي، بات من الضروري إعادة صياغة السردية الأردنية بشكل واضح وقوي، يُعيد تثبيت ثلاث حقائق مركزية:أولًا: أن الأردن دولة مشروع لا دولة صدفة. مشروعٌ يستند إلى شرعية تاريخية وسياسية، وإلى قيادة ترى في الإصلاح والاستمرار واجبًا وطنيًا وليس خيارًا تجميليًا.ثانيًا: أن الشعب الأردني شريك في صناعة دولته. فالمشاركة السياسية، والإصلاح الاقتصادي، وتطوير الإدارة العامة لم تعد شعارات، بل محركات أساسية يعاد بناؤها بإرادة ملكية ودفع مجتمعي.ثالثًا: أن الأردن يمتلك موقعًا وطنيًا ودورًا إقليميًا أكبر من حجمه. فمن القضية الفلسطينية إلى أمن الإقليم، يظل الأردن حجر توازنٍ لا يمكن تجاوز تأثيره.السردية الأردنية اليوم ليست دفاعًا عن الماضي، بل إعلانًا للمستقبل؛ سردية دولة قررت أن تبقى قوية، مستقرة، وصاحبة قرار، مهما تبدّلت موازين المنطقة. إنها سردية العقل أمام الفوضى، والاستقرار أمام الانهيار، والإصلاح أمام اليأس.وفي لحظة يعاد فيها تشكيل خرائط المنطقة، يقدّم الأردن نفسه — كما كان دائمًا — دولة موقف، ودولة رؤية، ودولة لا تنكسر.