أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات مغاربيات دين بنوك وشركات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

بطاح يكتب: مصر إذْ تخوض 'حروباً صامتة'!


د. أحمد بطاح

بطاح يكتب: مصر إذْ تخوض 'حروباً صامتة'!

مدار الساعة ـ

لا شك في أن جمهورية مصر العربية ذات ثقل الخاص في المنظومة العربية، فعدد سكانها يزيد الآن عن مائة (100) مليون نسمة، ولديها موقع إستراتيجي مهم وممر ملاحي دولي هو قناة السويس، فضلاً عن إرثها الحضاري الغني، ودورها النضالي المشهود الذي لعبته خلال القرن الماضي لصالح القضايا العربية التحررية.

غير أنّ المؤسف في هذه الآونة هو أنّ مصر تخوض عدداً من "الحروب الصامتة" التي تؤثر على دورها الزعامي في المنطقة العربية، الأمر الذي يحتاج إلى مؤازرة عربية حاسمة لكي تظل قوية وذات دور رئيسي في بُعدِها العربي، وإذا أردنا التأشير على هذه "الحرب الصامتة" التي تواجهها مصر فإنّنا يمكن أن نذكر ما يلي:

أولاً: الحرب الصامتة على الجبهة المصرية الإسرائيلية:

والمقصود هُنا الخطر على الأمن القومي المصري الذي خلقته حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة واحتمالية تهجير أبناء الشعب الفلسطيني من سكان القطاع إلى سيناء وهو الأمر الذي لوّح به الرئيس الأمريكي ترامب حين أشار منذ أشهر إلى أن مصر والأردن يمكن أن تستوعب أبناء القطاع المنكوب، وإذا أضفنا إلى ذلك أن إسرائيل تحتل الآن معبر رفح وهو بين مصر وفلسطين في الواقع، وأنها تحتل كذلك ممر فيلادلفيا (صلاح الدين) خروجاً على الاتفاقية الأمنية الملحقة باتفاقية كامب ديفيد (1979) بين الدولتين فإنّنا نلاحظ بوضوح أن إسرائيل تخوض حرباً صامتة بالفعل ضد مصر وأنها تحاول بطريقة أو بأخرى المساس بأمنها.

ثانياً: الحرب الصامتة على الجبهة السودانية:

فالحرب بين الجيش السوداني الذي يمثّل الشرعية السودانية باعتراف العالم و"الدعم السريع" الذي يمثل قوات متمردة على الشرعية يخوضان حرباً اقتربت بل وصلت إلى المثلث الحدودي بين مصر والسودان وليبيا، وقد تعاظم هذا الخطر على مصر بعد استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر وسيطرتها شبه الكاملة على إقليم كبير ومهم هو إقليم "دارفور". إن هذه الحرب السودانية تعني مصر تماماً حيث كانت السودان على الدوام جزءاً من الأمن القومي المصري، ويجب ألّا ننسى أن السودان كان يتبع مصر وبريطانيا حتى خمسينيات القرن الماضي، وفضلاً عن ذلك فإنّ لمصر والسودان قضية مشتركة هي أن كليهما دولة "مصب" بالنسبة لنهر النيل ولديهما خلافات مشتركة مع أثيوبيا حول حقوقهما المائية في هذا النهر.

ثالثاً: الحرب الصامتة على الجبهة الليبية:

من المعروف أنّ ليبيا عانت من الانقسام منذ سقوط نظام القذافي في عام 2011، وواقع الحال الآن هو أن هناك حكومتين على الأقل في ليبيا: إحداهما تحكم من طرابلس (حكومة الدبيبة)، والأخرى تحكم من بني غازي (حكومة عقيلة صالح وخليفة حفتر)، وقد دأبت مصر على محاولة رأب الصدع في ليبيا وإن كانت تأخذ جانب حكومة بني غازي، ومما عقّد الأمر هو التدخل التركي السافر إلى جانب حكومة طرابلس، الأمر الذي لم يترك خياراً لمصر غير مناصرة الحكومة الأخرى حفاظاً على مصالحها وحدودها مع ليبيا. إنّ الوضع في ليبيا مُؤرّق بالنسبة لمصر، وما دام هناك انقسام في ليبيا فسوف تظل هناك حرب صامتة ذات بعد إقليمي يؤثر سلباً على دور مصر ومصالحها الاستراتيجية.

رابعاً: الحرب "الصامتة" على الجبهة الإثيوبية:

والإشارة هُنا هي إلى الخلاف المصري الأثيوبي حول "سد النهضة" الذي بنته إثيوبيا بدون تنسيق كامل مع مصر التي تُعتبر دولة "مصب" بالنسبة لنهر النيل ولها حقوق تاريخية مُوثّقة في مياه النهر. إنّ الخلاف بين مصر وأثيوبيا حول هذا الموضوع المهم لم ينتهِ بعد، ومصر ما زالت تؤكد أنها متضررة بالفعل مما فعلته أثيوبيا بشأن السد، والواقع هو أن هذا الخلاف أصبحت له امتداداته على "دول القرن الإفريقي" حيث تحاول أثيوبيا إيجاد منفذ لها على البحر (لكونها دولة حبيسة) وبالذات من خلال الصومال بينما تحاول مصر التحالف مع إرتيريا وغيرها من الدول الإفريقية لمحاصرة الأطماع الأثيوبية وضمان حقوقها وبالذات في مياه النيل.

خامساً: الحرب على جبهة البحر الأحمر:

لقد تسببت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في امتداد المعركة خارج فلسطين كما هو معروف وكما وصل الشرر إلى لبنان وإيران وسوريا فقد وصل إلى اليمن أيضاً، حيث قامت جماعة "أنصار الله" الحوثيين في اليمن بملاحقة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، وشلّ مينائها عليه وهو ميناء "إيلات"، وقد انعكست هذه المواجهات في البحر الأحمر بين اليمن وإسرائيل على تحجيم عائدات قناة السويس وخفضها بما يقارب إلى عشرة مليارات في السنة الماضية. إنّ من نافلة القول أنّ أمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب هو جزء مهم من أمن مصر، وقد اتضح هذا تماماً في حرب أكتوبر 1970، وذلك حين أغلقت مصر مضيق باب المندب في وجه الملاحة الإسرائيلية.

وختاماً فإنّ مصر تخوض حروباً صامتة بالفعل وعلى جبهات عديدة كما أوضحنا أنفاً، ولا شك أن هذا يشغلها ويؤثر على دورها المأمول في منطقتها، ولذا فإنّ من الواجب على الدول العربية جميعاً أن تتكاتف مع مصر الشقيقة الكبرى لكي تنتصر في هذه الحروب، الأمر الذي يصب في مصلحة العرب جميعاً، ويدعم أمنهم، ويسهم في ضمان حقوقهم على الصُعد كافة.

مدار الساعة ـ