متى يصبح التعديل على الحكومة مطلوبًا؟..سؤال يجيب عليه كثيرون كل على هواه، لكن أهم الإجابات هي المنطقية التي تستند الى حقيقة مدى احتدام حدث سياسي ما، وصعوبة حركة الحكومة وانسداد الطريق بينها وبين الناس والرأي العام، ولهذه الحالة أسباب كثيرة، من أهمها أن الفريق الحكومي قد يسقط في أخطاء، وحين نعود الى الأشهر الثلاثة الماضية وأخبار الفريق الوزراي، سنجد أن لا إخفاقات مهمة أو أخطاء سقط فيها الوزراء، وإن كانت التشكيلة الوزارية حظيت بملاحظات حول بعض وزرائها الجدد، وحديث آخر عن عودة كثير من أعضاء الحكومة السابقة، فإن الجميع «نسبيا» أبلى حسنا، ولا أزمات أو أخطاء كبرى وقع فيها الفريق الوزاري.
التعديل على الحكومة قد يكون مهما حين يقرر رئيس الحكومة إضفاء مزيد من الانسجام والحيوية في فريقه الوزاري، لكن حتى هذه الخطوة غير مطلوبة من الرزاز، فالفريق الوزاري حيوي «ما زلنا نتحدث نسبيا» وأداؤه منضبط ورشيق، ولا سبب مهما للتعديل على الحكومة الآن، ما دامت تسير بتوازن وتؤدي بشفافية، ولا تتهاون في مواجهة ضعف أو خلل هنا أو هناك..
في حال قرر الرزاز التعديل على فريقه فلا بد أن يستمزج مجلس النواب، لا سيما وأن النواب سيقولون كلمتهم في قانون الضريبة الذي ستتم مناقشته مطلع الدورة العادية التي ستنطلق الشهر القادم بخطاب عرش، يكشف توجهات الدولة الأردنية في العام القادم، وهذه الحالة من الاستمزاج للنواب ليست اعتبارية فقط، بل هي ضرورية وتعزز العلاقة بين النواب والحكومة، وتسهل الطريق أمام المجلس والحكومة لمزيد من التوافق على الملفات الساخنة كقانون الضريبة.
مع تأكيد حق النواب بالدفاع عن مجلسهم واستقلاليته، والإشارة الى تصريح رئيس المجلس، حول ما تمت نسبته الى نائب رئيس الوزراء د رجائي المعشر، بعد ثبوت عدم مهنية ناقل الخبر التي كادت أن تحدث أزمة كبيرة بين الحكومة والنواب، فإن الحديث الفعلي الذي كان قد قاله المعشر، حول استغرابه وعجبه من طلب صندوق النقد الدولي أن يقر مجلس النواب مسودة قانون الضريبة كما هي، هو بحد ذاته موقف يحسب للمعشر لا عليه، وهي حالة من الشفافية وفيها احترام كبير لمجلس النواب ودوره وقراره المستقل، وهي الحالة التي يجب تعميمها بين السلطتين، حيث تكون الحكومة أكثر ضعفا حين يضيع القرار النيابي ويتعرض للمصادرة من قبل أية جهة، وبناء على هذه الحقيقة، يجب على الحكومة أن تؤخر قليلا تحويل مشروع قانون ضريبة الدخل الى مجلس النواب، فهي قامت بإجراء حوارات كثيرة حوله، وفيها وجهات نظر تستحق الاهتمام الحكومي وتتطلب بعض التعديلات على مشروع القانون، ولعل تصريح «أبوعلي» مدير عام ضريبة الدخل والمبيعات حول إعادة النظر في موضع الشرائح وتحديدها بناء على عدد أفراد العائلة المكلفة وما تملك وحجم التزاماتها، تصريح في مكانه وبه من العدالة والموضوعية والمنطق المقبول، كذلك بعض الملاحظات التي تقدمت بها النقابات المهنية وغيرها من القوى السياسية المدنية، وكلها أسباب تلزم الحكومة بالتريث قليلا قبل تحويل مشروع القانون الى النواب، وتأجيله حتى ما بعد أسبوع على الأقل من انطلاق الدورة العادية للمجلس، وهو وقت يكفي للحكومة بأن تجري المزيد من التعديل وتدرس الملاحظات الكثيرة التي حصلت عليها في حواراتها.
ولنعترف بأنه وقبل أي استحقاق دولي أو مرتبط بمؤسسات مالية دولية، نحن بحاجة الى قانون ضريبة أكثر عدالة، وكنا نتمنى لو تم اقرار مثل هذا القانون قبل هذه المرحلة من المواجهة مع صندوق النقد الدولي، فهي مواجهة تعتبر تحصيلا حاصلا ما دام اهم قانون يحقق موارد للدولة يعاني من اختلالات بهذا الحجم.
كلنا مع اقرار قوانين تضفي استقرارا على البلاد والعباد، وتحقق عدالات كانت غائبة، ولعل حالتنا السياسية ورغم احتدادها ووقوعها في أزمات، إلا أنها في الوقت نفسة قد تكون فرصة لإقرار مثل هذه القوانين التي سنلمس أثرها الإيجابي تدريجيا، فلا أحد يقف ضد استقرار الأردن واستقلال قراره السيادي والاقتصادي، ولا يقف ضد العدالة الا الفاسد المستفيد من ضياع حقوق الناس والدولة.
الدستور