يمثل التعليم العبء الأكبر على موازنة العائلات الأردنية. دراسات ومسوحات سابقة أظهرت ذلك بوضوح، وفي اللقاءات التي جمعت فرقا وزارية مع المواطنين في المحافظات كانت الشكوى من كلف التعليم الجامعي على كل لسان، والناس على حق دون شك.
التعليم الأساسي ما يزال مجانيا تقريبا في المدارس الحكومية، لكن مشكلته في سويته، وهذه يمكن التغلب عليها ببرامج إصلاح متدرجة بدأت الحكومات بتطبيقها منذ سنتين ويفترض أن نلمس نتائجها بشكل فعلي مع نهاية تطبيق خطة إصلاح التعليم في المدارس بعد أقل من سبع سنوات.
المشكلة الكبرى هي كلف التعليم الجامعي وهو الآخر يخضع لعملية إصلاح، لكننا نحتاج لمواجهة التحدي الأكبر المتمثل بأكلافه على المواطنين.
لا بديل أمام الحكومة عن التفكير بآلية جديدة لتقديم تعليم جامعي شبه مجاني للأردنيين أسوة بدول عربية وأجنبية عديدة. لكن قبل ذلك ينبغي خفض أعداد المقبولين في الجامعات الحكومية خاصة وأن معظم التخصصات راكدة ولا تلقى طلبا في سوق العمل.
بموازاة ذلك العمل بهمة أكبر على توجيه الطلبة نحو التخصصات المهنية، وفق الخطة التي أعدتها وزارة العمل، وعرض الوزير سمير مراد مضامينها أمام جلالة الملك أول من أمس.
رسوم القبول والدراسة في التخصصات المهنية يجب أن تكون رمزية جدا ومثلها في التخصصات الأكاديمية. مثل هذه السياسة ستعني الكثير للمواطنين وترفع عن كاهلهم أعباء مالية كبيرة.
يتطلب الأمر توجيه موارد الخزينة لدعم الجامعات الحكومية بالتزامن مع إلغاء البرنامج الموازي، لأن استمراره يشجع على دراسة التخصصات الأكاديمية على حساب المهنية، وتوسيع نطاق خدمات صندوق الطالب الفقير ليشمل فئات أوسع من الطلبة، ورفده بالموارد المالية اللازمة. ومن المناسب هنا التفكير بتحويل ضريبة التكافل الاجتماعي لهذا الصندوق.
في غضون عشر سنوات على تطبيق هذه السياسة سيشهد التعليم الجامعي تحولا نوعيا ملموسا، يستفيد منه سوق العمل الأردني، بما ينعكس بشكل مباشر على معدلات البطالة في الأردن.
لم تتخل الدولة الأردنية عن دورها في تقديم خدمات صحية بأسعار رمزية، وهي تتوسع في شبكة التأمين الصحي رغم الملاحظات المشروعة على مستوى هذه الخدمات. وعلى مستوى التعليم الأساسي تحاول بشكل جدي إصلاح المنظومة بكاملها، فلا يجوز بالمقابل ترك المواطنين تحت أعباء التعليم الجامعي المرهقة.
هناك منافذ عديدة لدعم الجامعات ماليا، وتخصيص الموارد المتاحة بشكل يساعد إداراتها على توفير تعليم شبه مجاني للمواطنين. وينبغي في هذا الإطار العمل على هيكلة الجامعات وتخفيف أعداد موظفيها الإداريين لتقليل النفقات الفائضة عن الحاجة.
موازنة أي أسرة أردنية متوسطة يذهب ثلثها تقريبا للإنفاق على التعليم، ولا بد من التفكير مليا لتخليصها من هذه الأعباء.
أعتقد أن دراسة هذا الأمر بالجدية اللازمة سيساعد إلى حد كبير بخفض منسوب الاحتقان في أوساط المواطنين، ويعوض على نحو أفضل زيادة الرواتب والأجور، ففيه إجابة حقيقية على سؤال طالما يتكرر كلما فاتحت الحكومة مواطنيها بملف الضرائب، "ماذا تعطونا مقابل الضرائب التي ندفعها؟"؛ فليكن تعليما مجانيا مقابل ضريبة الدخل.
الغد